فما يحصل فينا عن طريق ، فهو كالعلم بالمدركات ، فإن الإدراك طريق إليه. وما يحصل عما يجري مجرى الطريق ، فهو كالعلم بالحال مع العلم بالذات ، فإن العلم بالذات أصل للعلم بالحال ، ويجري مجرى الطريق إلى العلم به ، والفرق بين ما يحصل فينا عن طريق وبين ما يحصل عما يجري مجرى الطريق ، أن ما يحصل عن طريق يجوز أن يبقى مع عدم الطريق إليه ، وليس كذلك العلم الحاصل عما يجري مجرى الطريق ، ولهذا يصح من الله تعالى أن يخلق فينا العلم بالمدركات من دون الإدراك ، ولم يصح أن يخلق فينا العلم بالحال من دون العلم بالذات ، لما كان أصلا فيه وجاريا مجرى الطريق إليه.
** أقسام العلم الضروري الحاصل فينا مبتدأ
ثم الحاصل فينا مبتدأ ينقسم إلى : ما يعد في كمال العقل.
وإلى ما لا يعد في كمال العقل.
وأما ما لا يعد في كمال العقل ، فهو كالعلم بأن زيدا هو الذي شاهدناه من قبل ، فإنه علم مبتدأ من جهة الله تعالى ، ثم لا يعد في كمال العقل ، ولذلك تختلف فيه أحوال العقلاء ، ففيهم من إذا شاهده أثبته ، وفيهم من إذا شاهده لم يثبته.
وأما المعروف في كمال العقل ، فإنه ينقسم : إلى ما يستند إلى ضرب من الخبر ، وإلى ما لا يستند إلى ذلك. فالذي لا يستند إلى الخبر كالعلم بأن الذات إما أن يكون موجودا أو معدوما ، والموجود إما قديم وإما محدث. والمستند إلى الخبر ، فهو كالعلم بتعلق الفعل بفاعله ، وما يتصل بذلك من أحكام الفعل من حسن وقبح وغيرهما.
وأما المشاهدة ، فهي الإدراك بهذه الحواس ، هذا في الأصل ، وفي الأغلب إنما تستعمل في الإدراك بحاسة البصر ، هذا إذا كان مطلقا ، فأما إذا أضيف إليه العلم فقيل : علم المشاهدة ، فالمراد به العلم المستند إلى الإدراك بهذه الحواس ، وفي الأغلب إنما يستعمل في العلم المستند إلى الإدراك بحاسة البصر فقط.
** الأدلة على أنه تعالى لا يعرف ضرورة ولا بالمشاهدة
ثم إنه رحمه الله سأل نفسه فقال : إذا قلتم إن النظر في طريق معرفة الله تعالى واجب لأنه تعالى لا يعلم ضرورة ولا بالمشاهدة ، فمن حقكم أن تثبتوا ذلك ليتم ما قلتم.
والأصل في ذلك أن الكلام في أن الله تعالى لا يجوز أن يعرف مشاهدة ،
पृष्ठ 24