تكرار الطلاق من قول أحد أن دخلت الدار فطلقها، وإنما يفهمون منه الأمر بالطلاق بعد دخول الدار، والله أعلم، نعم إذا اقتضت القرينة تكرار مثل هذا المعلق، فإنه يحكم بتكراره، وذلك كما إذا قال لعبده: كلما دخلت السوق فاشتر اللحم، فإنه يحكم على هذا العبد، أن يشتري اللحم في كل مرة دخل السوق، وهذا معنى قول الناظم: إلا لدليل قد قصد، فالمراد بالدليل ما هو أعم من القرينة، فيشملها وغيرها، فالمراد بقوله قد قصد: هو أن يكون ذلك الدليل مقصودا في كونه مقتضيا تكرار الأمر، فيخرج بذلك النائم والساهي والمجنون، فإنه لا يعتبر بأمرهم، فكيف بقرائنه، ولك أن تخرج به أيضا، ما قامت القرينة الحالية أو المقالية على تخصيصه من ذلك، فإن قول القائل: كلما دخلت السوق فاشتر اللحم، يعلم من حاله، أنه إذا دخل كل ساعة، أوفي أوقات لا يوجد فيها اللحم مثلا، أو في أوقات ليست محلا لشراء اللحم، إن هذا كله غير مراد للقائل، فيثبت تكراره بحسب ما قصد من دليل التكرار ، والله أعلم، ولما فرغ من بيان حكم الأمر المقيد، شرع في بيان حكم المطلق، فقال:
وإن عرى الأمر عن القيود دل على حقيقة المقصود.
من غير تكرار وغير وقت وغير فور وتراخ يأتي.
أي إذا تجرد الأمر عن القيود والقرائن، دل على طلب حقيقة الفعل المأمور به، ولا يدل على طلب إيقاعه مرة واحدة، ولا على طلبه متكررا، ولا على طلب إيقاعه فورا، أي في أقرب ما يمكن من الوقت، ولا على طلب إيقاعه متراخيا، أي في أي وقت يكون، لكن يدل على طلب حقيقة المأمور به فقط، وهذه الأشياء إنما تستفاد من القيود والقرائن، واحتج البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- على أن الأمر المجرد عن القيود والقرائن، لا يدل إلا على طلب الحقيقة، بأن مدلولات الفعل أجناس، والأجناس لا تشعر بالوحدة ولا بالكثرة، ومن ثم لم تثن ولم تجمع، وحسن استعمالها في القليل والكثير بلفظ واحد انتهى.
पृष्ठ 51