ينقسم الأمر إلى: مقيد، و إلى مطلق من القيد، فأما المطلق فسيأتي حكمه، وأما المقيد فهو على أنواع، أحدهما: أن يكون القيد وقتا، وثانيها: ما القيد فيه عدد، وثالثها: ما القيد فيه الدوام، ورابعها: ما القيد فيه وصف، وسيأتي أحكام هذه الأنواع كلها، عند ذكر المصنف لها، إن شاء الله تعالى، (فأما المقيد) بوقت، فهذا موضع ذكره، ونقول في بيانه: أن الفعل المأمور به في وقت من الأوقات بعينه، فأما أن يستغرق الوقت كله، كالصوم مستغرق للنهار، ويسمى مضيقا، وإما أن لا يستغرقه كله، بل يجزي فيه بعض الوقت، ويسمى موسعا، كالصلاة المأمور بها في الأوقات المخصوصة، ولا يصح أن يكون الوقت لا يسع الفعل، أي ليس من الحكمة أن يأمرنا سبحانه وتعالى أن نفعل شيئا في وقت بعينه، وذلك الوقت لا يسع ذلك الفعل؛ لأنه من التكليف بما لا يطاق، وهو في حكمته تعالى محال، فأما الفعل المضيق فلا خلاف، في إن ذلك الوقت كله وقت كله وقت وجوبه، لكن الخلاف في الموسع، وهو الذي يكون فيه الوقت أوسع من الفعل، اختلفت الأمة في وقت وجوبه على ثلاثة مذاهب، أحدهما: أن وقت وجوبه هو أول الوقت فقط، ونسب هذا القول إلى الشافعي وأصحابه، قال صاحب المنهاج: ثم اختلفوا في آخره، ما فائدة التوقيت به، فقيل: ضرب للقضاء، أي لم يذكر في الموقت، إلا ليقضى فيه ما فات غي وقت الوجوب، وهو أول الوقت، ولا يقضى بعده أصلا، فإذا فات الظهر مثلا في أول وقته، قضاه المكلف، ما لم يدخل في وقت العصر، فمتى دخل في وقت العصر، فقد فات الأداء والقضاء عند هؤلاء، فلا يقضي بدع ذلك أبدا، وقيل: هؤلاء قد انقرض خلافهم، ولم يبق أحد منهم، وقيل: بل آخر الوقت ضرب ليدل على تخييره، بين أن يفعل في أوله أو في آخره، فهؤلاء جعلوا الوجوب متعلقا بأول الوقت، لكن المكلف مخير بين أن يفعله فيه، أو يؤخره عن وقت وجوبه، وإذا فعله بعده، فلم يؤده في وقت وجوبه، لكن الشرع أباح له تأخير فعله عن وقت وجوبه أوقاتا معلومة، إذا فعل في أيها لم يأثم بالتأخير، فهو أداء لا قضاء، فإن أخره عن تلك الأوقات أثم، وكان فعله بعدها قضاء، فضرب ما عدا أو الوقت، ليدل على أن المكلف مخير بين أن يفعله في وقت وجوبه، وهو أول الوقت، وبين أن يؤخره عن وقت وجوبه إلى أي الأوقات المضروبة لذلك الفرض، وأنه يجزيه فعله في أيها، فلا يأثم حتى يفوت جميعها، قال: هذا تحقيق مذهب هؤلاء، (المذهب الثاني) أن وقت الوجوب هو آخر الوقت، ونسب هذا القول إلى أبي حنيفة وأصحابه، قال صاحب المنهاج: واختلفوا فيما فعل في أوله، فقيل: نفل يسقط به الفرض، وقيل: موقوف إن بلغ المكلف آخر الوقت، وهو على صفة المكلفين، ففرض وإن مات، أو سقط تكليفه قبله فنفل، وهذا القول، مروي عن الشيخ أبي الحسن الكرخي أيضا، وحكى أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي أنه يقول: أن الواجب الموسع يتعين فرضا بأحد أمرين، إما بدخوله في الصلاة المفروضة في أول وقتها، أو بلوغه آخر الوقت، وهو بصفة المكلفين، وإن لم يفعل، قال: فهذا تحقيق مذاهب من جعل الوجوب متعلقا بآخر الوقت، (المذهب الثالث) أن الوجوب متعلق بجميع الوقت، كله وقت أداء، وصححه البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- وقال عقب ذكره: ووافقنا على ذلك جمهور المخالفين، ومعنى كون الوجوب متعلقا بجميع الوقت، هو أن العبد مخير بين الفعل والترك في أول الوقت ووسطه، حتى إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار ما يسع الفعل، تعين الأداء، كيلا يفوت الفرض، فإن التفويت بغير عذر، حرام قطعا، (لا يقال) فإذا كان له أن يترك في أول الوقت ووسطه، فلا وجوب في ذلك الوقت، (لأنا نقول) أنه لا معنى لكونه واجبا، إلا لكونه، أثر خطاب الله تعالى، المترتب على تركه العقاب، ومن الواجبات، ما يكون موسعا في فعله، فلا يهلك المخاطب به، إلا بتركه أصلا، ومنها ما هو مضيق، فيهلك المخاطب به بنفس تأخيره، فبهذا تعرف، أنه ليس كل واجب يلزم فعله فورا والله أعلم، (وأوجب) أبو علي وأبو هاشم، وهما من غير الأصحاب، العزم على الفعل، في أول الوقت ووسطه، وجعلاه بدلا من تعجيل الفعل، والصحيح عدم وجوب العزم، وأن الوجوب متناول لجميع الوقت على السواء، كما مر، وحجتنا على ذلك وجهان، (أحدهما) أن الأمر بوجوب ذلك الفعل، متناول لأول الوقت وآخره ووسطه على سواء، فقوله تعالى: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل }
पृष्ठ 44