«فَإِنَّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى» .
وَالذِّمَّةُ هِيَ الْعَهْدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الذِّمَّةُ لِلْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مَحَلُّ الِالْتِزَامِ بِالْعَهْدِ. وَالْمُرَادُ بِذِمَمِهِمْ وَذِمَمِ آبَائِهِمْ الْحِلْفُ وَالْمُحَالَفَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَعْنَى الْإِخْفَارِ هُوَ نَقْضُ الْعَهْدِ يُقَالُ: خَفَرُوا إذَا عَاهَدُوا، وَأَخْفَرُوا إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ. وَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: ٥٨] مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ. وَذَلِكَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْغَدْرِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَيَّدَ مَا قُلْنَا قَوْلُهُ ﵇: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ، وَقَالَ فِي تِلْكَ الْجُمْلَةِ: رَجُلٌ أُعْطَى ذِمَّتِي ثُمَّ خَفَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»، فَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ يَحْرُمُ الْغَدْرُ، وَأُمَرَاءُ الْجُيُوشِ كَانُوا يُعْطُونَ الْأَمَانَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ﵄. فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
٣٤ - ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ ﵁ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى جَيْشٍ، فَخَرَجَ مَعَهُ يَمْشِي وَهُوَ يُوصِيهِ. فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَا الرَّاكِبُ وَأَنْتَ
1 / 39