والله لا أعطي جارية منكن ثوبها، ولو ظلت في الغدير إلى الليل، حتى تخرج كما هي متجردة فتكون
هي التي تأخذ ثوبها! فأبين ذلك عليه حتى ارتفع النهار، فخشين أن يقصرن دون المنزل الذي يردنه،
فخرجت إحداهن فوضع لها ثوبها ناحية فمشت إليه فأخذته ولبسته، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت
عنيزة، فناشدته الله تعالى أن يضع لها ثوبها، فقال: لا والله لا تمسينه دون أن تخرجي عريانة كما
خرجن! فخرجت ونظر إليها مقبلة ومدبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته فلبسته، فأقبل النسوة عليه فقلن
له: غدنا فقد حبستنا وجوعتنا! فقال: أن نحرت لكنّ ناقتي تأكلن منها؟ فقلن: نعم. فاخترط سيفه
فعرقبها ثم كشطها، وجمع الخدم حطبا كثيرا فأجج نارا عظيمة، فجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها
وأطايبها فيرميه على الجمر، وهن يأكلن منه، ويشربن من فضله كانت معه في زكرة له، ويغنيهن،
وينبذ إلى العبيد من الكباب حتى شبعن وشبعوا، وطربن وطربوا، فلما ارتحلوا قالت إحداهن: أنا
أحمل حشيته وأنساعه. وقالت الأخرى: أنا أحمل طنفسته. فتقسمن متاع راحلته بينهن وزاده، وبقيت
عنيزة لم يحملها شيئا، فقال لها امرؤ القيس: يا بنت الكرام، ليس لك بد من أن تحمليني معك فإني لا
أطيق المشي ولم أتعوده. فحملته على بعيرها فكان يميل إليها ويدخل رأسه في خدرها ويقبلها، فإذا
مال هودجها قالت: يا امرأ القيس، قد عقرت بعيري! حتى إذا كان قريبًا من الحي نزل فأقام، حتى
إذا أجنه الليل أتى أهله ليلا، فقال في ذلك شعرا، فكان مما قال:
(قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيبٍ ومنْزلِ ... بسِقْطِ الِّلوَى بين الدَّخُولِ فحَومَلِ)
قفا: أمر. ونبك جوابه. ومن صلة نبك. بسقط من صلة نبك. قوله (قفا) في الاعتلال له ثلاثة أقوال:
1 / 15