) مَن لَيْس مِنْ قَتْلاَهُ من طُلَقَائِه ... مَنْ لَيس مِمَّنَّ دان مِمّن حُيِّنَا (
يقول: عداه قتلاه وأسراه، ومن أفلت منهم فإنما هو طليقُه، بصفحه عنه.
) ومن ليس ممن دان حُينا (دان الرجلُ: أطاع. أي من لم يكن من دائنيه فهو من مُحينيه. واراد: دَانَ له، فحذف للعلم بها. ومن هنا بمعنى الذي، كأنه قال: الي ليس من قتلاه معدود في طلقائه، والذي ليس من دائنيه مُحين. فقوله:) من طُلقائه (في موضع خبر المبتدأ، الذي هو) من (الاولى. وقوله: ممن حُينا خبر مبتدأ، الذي هو) من (الثانية.
) وَقَطعتُ في الدُّنيا الفَلاَ وَرَكائبي ... فيها وَوَقْتى الضُّحى والمَوْهِنَا (
أي أفنيت الأمكنة والأزمنة والركائب. وكان يجب أن يقول: ووقتى الضحى والمَوْهن لأن المْوِهن نحوٌ من الزمن الليلي، وفصف الليل. والضحى: أولُ الزمن النهارى. فقابل هو المَوْهِن الذي هو نصف الزمن. الليليّ، بالضحى الذي هو اول الزمن النهاري ولو قال قائلٌ: عنى بالضحى اليوم كله، وبالموهن الليل كله، وأقام الجزء مقام الكُل، كما أقيم الكُلُّ مقام الجزء في قوله تعالى:) وَإنَّكُمْ لَمَرُّوْن عَلَيهِمْ مَصَبِحِيْنَ وبالليل (من سورة الصافات لكان جائزا، فتفهمه فإنه لطيف.
) أمْضى إرادتهَ فَسوفَ لهُ قدٌ ... واسْتَقْرب الأَقْصى فَثَم لهُ هُنَا (
إن شئت قلت: متى قال غيره: سوف أفعل هو: قد فعلت فسبق. ومتى قال غيره: ثم الجم أو السماء مستبعدا، قال هو -) هُنا (مستقربا.
وإن شئت قلت: إذا نوى أمرًا سابق نيته بفعله، فصار المستقبل ماضيًا، ومتى لخظ أمرًا بعيدًا أعمل عزمه، فقُرب عليه قتناوله.
) نِيطَتْ حَمائِلُه بِعَاتق مِحُرَبٍ ... مَاكَرَّ قَطُّ وهَلْ يَكُرُّ وَمَا انثنَى (
إنما يكون الكرُّ بعد النثناء فالا علةٌ له، فاذا لم يكن انثناء لم يكن كرُّ، لأنه إذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول، فيقول: هذا المحرب ماكرَّ لأنه لم ينثن، فيُعقب الانثناء بالكرِّ.
) تَتَقَاصَر الأّفْهَامُ عن إدراكِه ... مثل الذي الأفلاكُ فيه والدُّنَيا (
غاية ما أدركت الأفهام، الفلك وما فيه، فأما ما هو فيه، فلم يُدركه وهم ولا فهم: فيقول: إدراكهُ مُعوز كإدراك ما فيه الدنيا والفلك. والدُّنا: جمع الدنيا، كالعُلا جمع العُليا، وهذا مُطرد.
) لايستكن الرعب بين ضلوعه ... يوما ولا الإحسان ألا يُحسنا (
أي لا يتصور الخوف بين ضلوعه، ولا يتصور أيضًا بينهما العلم بألا يحسن. بل هو محسن لأن يُحسن، وغيره محسن الا يحسن أي الإحسان غلبه. والإحسان هنا أن يكون المعرفة، كقول فلان مُحسن لعلم كذا، ويجوز أن يكون الإحسان الذي هو ضد الإساءة، فكانه قال في كل ذلك: ولا يحسن ترك الإحسان؛ إنما يُحسن الإحسان. وهذا كقول الآخر أنشدناه ابو الفتح:
تُحْسِن أن تُحْسِن حتى إذا ... رُمْتَ سِوَى الإحسان لم تُحْسِن
إلا انةهذا البيت بعيد، لأنه نسب إلى الممدوح مرام غير الاحسان.
) سَلَكتْ تَماثيل القِبابِ الجنُّ منْ ... شَوق بها فأدَرْن فيك الأعْيُنا (
أي سلكت الجن صور القباب، لتنظر إليك شوقًا، وإنما قال:) تماثيل القباب (ولم يقل) القباب (، لأنهم يزهمون أن الجن تألف التصاوير الموضوعة على أشكال الحيوان. وقد قيل: إنما كره اتخاذها في الثياب والمستور والبُسُط لهذا.
) وَعَجَبتُ حتى ما عجبتُ من الظُّبا ... ورأيتُ حَتى ما رأيتُ من السَّنا (
الظُّبا: السيوف. والسنا: الضوء. أي عجبت من السيوف حتى أنستُ بالعجب، وأخلدتُ اليه، فلم أعجب بعد، ورأيت لمعانهن حتى عُشى بصرى فلم أرى. فصدر البيت كقول ابى تمام:
على أنها الأيام قد صِرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب
) فَطنَ الفؤادُ لما أتيتُ على النَّوى ... ولِما تَركْتُ مَخافةً أن يَفْظنا (
أي لم تقتصر على العلم بما صنعتُ، حتى علمت ما تركته مخافة أن يفطن به. وقيل معناه: قد علمت ما كان من شكرى وثنائي عليك، وهو الذي فطن فؤادك له. وكذلك فطن أيضا لما تركته؛ خوفًا أن يفطن له، من تَنَقُّصك ايضا، فلو لم يكن تركي لذلك إلا مخافة أن يفطن فؤادك له، فكيف وطبيعتي فيك خلافُ ذلك. والبيت يقتضي أنه قد كان هنالك شيء من الإخلال بقدر بدر بن عمار. ويقويه قوله:
1 / 27