أي أني ملازم لظهر بعيرى، فكأنى مقم، وأنا مع ذلك سائر. فإمكاني يتقسم ما بين الحالين. لأنى لا ظاعينٌ ولا قاطن.
) إلى بد بنِ عمار الذي لَمْ ... يَكُن في غُرُةِ الشَّهرِ الهلالا (
البدرُ يبدو هلالا ثم يتزايد، ولا يسمى بدرًا حتى يكمل، وبدر بن عمار لم يك قط هلالا، بل لم يزل كاملا. وهذا مقطع شعري، لأنه لم يك قط هلالا ولا بدرًا. وكأنه لم يزل بدرًا، لأن لم يزل اسمه. وهذا البيت وإن كان المقصود به المدح ظاهرًا فقد يجوز أن يقصد به الذم باطنا. لأنه لا بدر على الحقيقة إلا وقد كان في غرة الشهر هلالًا. وهذا لم يكُ هلالا، فليس إذن بدرًا.
فالحاصل له من ذلك، إنه بدرٌ بالتسمية، لا بالطبيعة، فيكون ذلك مقتضيا للُهزُؤ، فخرج مُشبها لقوله:
وفارقتُ شَرَّ الارض أهلًا وتُربةً ... بها عَلَوىٌّ جَدُّه غيرُ هاشمِ
) جَوابُ مُسائلي ألهُ نَظِيرٌ ... وَلا لك في سثؤالك لا، ألا، لا (
تقديرُ البيت: جواب مُسائلي:) أله نظير (: ألا، لا، أي ليس نظير، فلا جحدٌ، وألا: استفتاح) ولا لك في سؤالك (نظير، لا، أيها السائل، فلا الثانية توكيد، وإنما حاجة الكلام: ولا لك أيها السائل نظير، إذا شككت في إنه لا نظير له، حتى أحوجك ذلك إلى السؤال. فقوله:) ولا لك (معطوف على قوله:) ألاَ، لاَ (فعكس، بأن قدم المعطوف على المعطوف عليه.
) وَقَاَلوا: هل يُبَلِّغُك الثُرياَّ ... فقلتُ نعم إذا شئتُ استِفالاَ (
اب أنا معه فوق الثُريا، فإذا أردت أن يبلغني إياها، فإنما أبلغها بأن يحظنى إليها، فإنا لا أريد منه بلوغ الثريا، إلا أن أشاء التسفٌّل لأن العالي لا يبلغ ما هو أخفض منه إلا بأن يُحط إليه.
وهذا كقوله:
فَوقَ السماءِ وفوقَ ما طَلَبُوا ... فإذا أرادوا غايةً نَزَلُوا
أي أن عُلُوهم الآن فوق كل غاية، فإذا ارادوا غاية محدودة، نزلوا إليها، إلا أن هذا البيت الآخر أفخم معنى. وأصل ذلك قول البحتري لمجمد ابن علي:
لمحمدِ بن عليٍّ الشرفُ الذي ... لا يَلْحَظ الجَوْزاء إلا مِنْ عَلِى
أي إنه فوق الجوزاء، فاذا لحظها فانما يلحظها من فوقها.
) فَقَد وَجِلتْ قُلوبٌ مِنكَ حَتَّى ... غَدَتْ أوجَالُها فيها وِجَالا (
أي وجلت قلوبهم، حتى عددتْ أوجالهُم؛ فوجلت الأوجال، وهذه مبالغة كقولهم: جُنَّ جُنُونه. وقالوا: شر ٌ شاعر. مثله كثير حكاه سيبويه وسائر اهل اللغة. قال سيبويه: سألت الخليل عن ذلك، فقال: ارادو المبالغة والإشادة. ورجال: جمع وَجل كوجِع ووِجاع ولو قال: وَجَإلى؛ يريد جمع وَجِل، لكان كَحنِجٍ وحَبَاجَى وحبطٍ وحَباطَى.
) يُفارِقُ سَهَمُك الرَّجل المُلاقى ... فرَاق القَوسِ ما لاقى الرِّجالا (
أي إن سهمك كلما لاقى رجلًا خرقه ونفذ منه على ما هو به من قوته الأولى عند فراق القوس، وذلك دأبُه ما لقى الرجال وإن كثروا. يصفه بجودة الرمى وقوة النزع. فما: منصوبة على الظرف، والقوس: في موضع نصب. أي فراقه القوس. فأضاف المصدر إلى المفعول، كقوله تعالى) لاَ يسْأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعَاء الخَيْر (.
وله ايضا:
) أفْدِى المُودِّعَةَ التي أتْبَعْتُها ... نَظَرًا فُرادى بين زَفْرَاتٍ ثُنَا (
أي حضر الرقيبُ فحذره، فقلت نظراته، وغلبت الحسرةُ، فكثرت رفراتهُ. حتى كانت الزفرات ضعف النظرات. فلذلك جعل النظرات فرادى. والزفرات ثُناء. واحتاج إلى قصر) ثُناء (وثناء معدُول عن) اثنين اثنين (المقتضية) ثِنتين ثِنتين (، ولا تكون معدولة عن) اثنين اثنين (لأن المعدول بعدد المعدول عنه. وقال. زفرات فأسكن الفاء للضرورة، كقول ذى الرُّمَّة:
أبتْ ذِكرًا عَوَّدْن أحشاء قلبِه ... خُفوقا وَرَقْصَات الهوى في المفاصلِ
) وَتَوقَّدَتْ أنْفاسُنا حَتَّى لَقَدْ ... أشْفَقْتُ تَحَتَرِقُ العَواذِل بَيْنَنَا (
أشفق من احتراق العَذُول مع شنآنه له، خشية أن يتم احتراقه بما هما عليه من توقد النفس. فقال: إن العواذل إنما احترقن بتوقد أنفاسهما عند التقائهما، وأراد) أن تحترق العواذل (أي) من أن (فحذفها، وأبطال عملها بحذقها. وإن شئت نصبت الفعل على مكان) أن (فكانت بمنزلة مُوثر غاب وبقي تأثير دالا عليه.
1 / 26