) وأنك لا تَجودُ على جوادٍ ... هباتُك أن يُلقب بالجوادِ (
أي لم تترك هباتُك أحدا غيرك يستحق أن يٌلقب بالجواد إذا قيس بك وتلخص ذلك: أي لا تجود هباتك على أحدٍ بهذا الاسم، وإن كانت لاتمكنع غيره من ضروب العطايا،) فأن (على هذا القول نصب بإسقاط الحرف أي بأن يُلقب. وهباتُك فاعل بتجود. ولا تكون التاء في تجود للمخاطبة ويكون) هباتك (بدلًا من الضمير الذي في تجود، ولا يجوز ذلك البتة، لأن المخاطب لا يُبدل من البته. ومن هنا منع سيبويه البدل في قولك: بكَ المسكين مررت، إنما تنصبه على الترحم، أو على نية إسقاط الألف واللام في قول يونس، فيكون منصوبًا على الحال. وقد كره هو أيضا قول يونس وقال: ولو جاز هذا لقلت: مررت بعبد الله الظيف تريد ظريفًا.
وله ايضا:
) إذا ماَسَتْ رأيت لها ارْتجاجًا ... لَهُ لولا سواعدُها تَزُوعا (
أي إنها مُنعمة تهتز في مشيتها: فلولا سواعدها لبزها اهتزازها ثوبها.
) تُرَفِّعُ ثَوبها الأردفُ عَنْها ... فَيبقى من وشاحيْها شَسُوعا (
أي يرفع ردفُها ثوبها عن جسمها. والوشاح عن الخصر، فيُبعد بينهما وبين الثوب، كقوله:
أبت الروادفُ والثديُّ لقُمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورًا
) ذرَاعاَهاَ عَدُوا دُمُلجيها ... يخُال ضجيعُها الزّند الضَّجيعًا (
إن شئت قلت: إن الدُّم ُحين يلزمان الذراعين لأنهما عبلتان كقوله:
تجول خلاخيلُ النساء ولا أرى ... لرملة خلخالًا يجول ولا قلبا
إن شئت قلت: إن الذراعين عدوا دُملجيهما، لأنهما يُصيلن الدملجين، ويشيحانهما، حتى يكادا يكسرانهما. وهو عندي كقول جرير:
لها قصب ريان قد شجيت به ... خلاخيلًُ سلمى الصمتاتُ وسُورُها
سُور: جمع سوار. وكقول القُطامي في صفة امرأة:
إذا يميلُ على خلخاها انفصماَ
ويروى:) انقصنا (وبقويه:) ذراعاها عدُوا دُمْلُجَيْها (ولو اراد الألو لقال: سوارها عدُوا ساعديها.
على انى لا أحجر ذلك، لأن العدو من باب المضاف في غالب الأمر إعنى أنك إذا كنت عدوا لشيء كان لك عدوا. فقوله: ذراعاها عدوا دُمْلُجيها كقوله: دملجاها عدوا ذراعيها.
) يخال ضجيعها الزند الضجيعا (: أي زندها عبل يظنه الضخيع من عبالته جسما.
) أحبُّك أو يقُولوا جَرَّ نملٌ ... ثَبِيرًا وابنُ إبراهيم ريعْا (
معنى هذا البيت الأبدية؛ أي أنى أحبك حتى يجر النمل ثبيرًا. وهذا لا يكون عند أحد أبدًا. وحتى يقال: ربع ابن إبراهيم، وابن إبراهيم على هذا المنزع لا يُراع عنده.
وقد احسن هذا الستطراد وإن كان قرنه إمكانيا، أعنى بقوله:) وابنُ ابراهيم (فتناهى وهو قوله:) أو يقولوا جر نمل ثبيرا (، لكن الثاني عنده في الامتناع كالأول، وإن كان في تحصيل الحقيقة ليس مثله، وكذلك حبُّه إياها إلى أن يجر النمل ثبيرًا شعر كذب.
) وليس مُؤدبًا إلا بنصلٍ ... كفى الصَّمْصامةُ التَّعَبَ القَطيعا (
أي أرهب سيفه الناس، حتى ليس تفعل في أيامه ما تستحق عليه السوط فضلا عن غير ذلك فقد كفى سيفُه السوط التعب. وإن شئت قلت: إنه لاُينزل عقوبة بجبان إلا القتل، لا يضربه بسوط، فقد استغنى بالسيف عن السوط. وكفى التعب لذلك.
) فلا عزلٌ وأنت بلا سلاحٍ ... لحاظُكَ ما تكُون به مَنِيعا (
العزلُ: عدم السلام عامة. واللحاظ: جمع لحظة، وقد يكون مصدر) لاحظ (، أي ملكت هيبتُك القلوب، فنظرتك تثغنى عن السلاح، فان هيبتك إذا نظرت قاتلة، لإقدامك وإن كنت بلا سلاح.
فقوله:) بلا سلاح (جملة في موضع الحال، أي فلا عزل بك، وإن كنت غير متسلح. وقوله:) لحاظك (ما تكون به منيعا (يجوز أن تكون فيه) ما (بمعنى الذي، فيكون على هذا ما بعدها صلة لها. ويجوز أن تكون نكرة بمنزلة شيء، فما بعدها في موضع الصفة، لأنها إذا كانت نكرة لزمتها الصفة، كما أنها إذا كانت معرفة لزمتها الصلة. ونظيره في الوجهين قوله تعالى:) هذا ما لَدىّ عَتِيدٌ (.
ويجوز أن تكون) ما (زائدة كأنه قال: لحاظُك تكون به منيعا. ومنيع. يجوز أن يكون فعيلًا بمعنى مفعول، أي ممنوعًا محمياّ، وأن يكون فاعل ككريم. يقال: منُع مناعة فهو مَنِع كرفُع رفاعةً فهو رفيع.
) وجاودَنيِ بأن يُعطى وأحوى ... فأغْرق نَيلهُ أخذى سريعا (
1 / 17