وقد يتوجه البيت على أن كل شريكين، فمن المعتاد الأغلب أن يكون أحدهما أقوم بالأمور، فتعلو يدهُ يد صاحبه، فاذا شاركت المنية سيفه فحكمه أمضى، والأول عندي أقوى.
) قَطَّعتهُم حسدًا أراهُم ما بِهمَ ... فَتَقَطعوا حسدًا لمن لا يَحْسُدُ (
أراهم مابهم: أي كشف لهم عن تقصريهم عنك، ولو أن اتزن له أراهم ما هو به كان أدخل في الصناعة المنطقية، فتقطعوا حسدًا لمن لا يحسُدُ: أي هم يحسدونك لنقصهم عنك، وأنت لا تحسد احدًا، لن الفضائل كلها متجمعةٌ لك، فلم يبق لك ما تحسد عليه غيرك.
وقوله: أراهم مابهم، جملة في موضع الصفة.
) أنى يكونُ أبا البَريةِ آدمٌ ... وأبُوكَ والثِّقلانِ أَنت مُحمَّدُ (
هذا محال من القول وسفه، أي انك انت الإنس والجن، وأبوك محمد، هذا يعني أبا الممدوح، لفما لهذه البرة وادعائها آدم أباها، وهذا من قبيح الضعف، وطريق السخف، وقد دخل به العقابُ في أنه لم يُحسن تأليف البيت ولم يُوفق لإقامة إعرابه. ألا تراه فصل بين المبتدأ والخبر بجملة أجنبية في قوله:) وأبوك والثقلان أنت محمد (. وموضع الكلام: أبوك محمد، والثقلان أنت. وهذا لا يكاد يُسيغه لنفسه الذي يقول: ضحِك الناس وقالُوا شِعْر وَضّاح الْيَمانِ إنما شعرى قيد عُقِدْ بخُلَّجانِ وقال ايضا:
) طلبتُ جسِيمَ ما طَلَبِى وإنَّا ... نُخاطرُ فيه بالمُهَجِ العِظامِ (
اراد جسيم طلبي، و) ما (: زائدة. والعظام هانا: كناية عن العز والشرف.
أي يقول: أنت إنما نُخاطر في طلب بالمهج العزيزة التي لا خلف منها إذا فقدت.
) وَلو بَرَز الزمانُ إلى شخصًا ... لأدْمَى رأس مفْرقِهِ حُسامِي (
أي لو شخص الدهرُ لأثرت فيه بسيفي، والدهر ليس بشخص لن وجود النور وعدمه، لاختلاف حركة الفلك، فتمناه هو شخصا ليوقع به، غُلُوا منه غلُوًا، وعليه دائرة السوء.
) إذا امتلأتْ عُيونُ الُخيلِ منِّي ... فَويلُ للتَّيقُّظِ والمناَم (
أي أروعهم ببأسي متقيظين، ويحملون بي، وذلك بما بقى في نفوسهم من الروع، كقوله هو:
يرى في النومِ رُمحك في كُلاُه ... وَيخْشَى أن يراهُ في السُّهادُ (
ومادة كل ذلك قول الشاعر:
وعَلَى عُدوًَّك بابن عمِّ محمد ... رَصَدان ضوء الشمي والإظلامُ
فإذا تنبَّه رُعتهُ وإذَا هدا ... سَلّت عليه سيوفَك الأحلامُ
وأراد المتنبي: إذا امتلآت عيونُ فرسان الخيل، فخذف المضاف، واراد فويلٌ لها في التيقظ والمنام، فأسند الويل إليهما مجازًا لا حقيقة، لن التيقظ والمنام عرضان لا يلحقهما ويل.
وقد يجوز أن بعض المصدر موضع الاسم، كأنه قال: فويل للمُتيقظ والنائم، كقولهم: ماء غَوْرٌ: أي غأر؛ ومثله كثير.
وله ايضا:
) أذا الغُصنُ أم ذَا الدِّعصُ أَم أَنت فتنةٌ ... وذَيَّا الذي قَبَّلتُه البرقُ أم ثَغْرُ (
أي: اقدكُ غصنٌ؟ أم ردفُك دعصٌ؟ و) ذيا (، تصغير) ذا (. وإنما صغره، لنه اشار إلى الثغر؛ والثغر يوصف بالصغر، ألا ترى إلى قول النظام يصف عجبه من امراة طرحت خاتمها في فيها فقال:
مِنْ رَمْيها الْخاتمَ في الْخَاتَم
شبه فاها بالخاتم لصغره و) أم أنت فتنةٌ (: يكون فيه) أم (العديلة لألف الاستفهام، وتكون منقطعة كَهَلْ، وقد اعترض السؤال عن الجملة، أعنى قوله:) أم أنت فتنتة (بين اثناء الكلام عن الأجزاء، لأن القَدَّ، والرَّدف، والثغر، كلها طوائف، وأنت جملة. وإنما كان ينبغي، لو استقام له، أن يقرع بالسؤوال عن الطوائف، ثم يجُما، أو يجُمل مبتدئا فيقول: أنت فتنة، ثم يأتي بالطوائف.
واما هذا الفصل عندي بين النظائر بالغريب، فقلق غير متمكن، وهذا إنما) يحكيه (أهل المنطقية. وكذلك قوله:) وذيا الذي قبلته البقُ أم ثغرُ (كان أصنع أن يقول:) بَرْقٌ (، لمكان) ثَغْر (، لأنهما نكرتان.
) فَتى كلَّ يوم يحتوي نَفْسَ مالهِ ... رماحُ المعالي لا الرُّدَيْنِيةُ السُّمرُ (
تُغير على ماله رماحُ المعالي، يعنى المدائح. أي رماح المدائح التي تُبنى بها المعالي، تُغير، كقول أبى تمام:
وآمله غادٍ عليه فسالُبه
وقال: رماحُ المعالي، ولم يقل سيوف المعالي، توطئة للردينية السُّمر.
1 / 12