يطلق حقيقة على اللحمة المخصوصة الموجودة في الفم ويقال مجازا على نفس العبارة كما أشير إليه في التنزيل الإلهي: واختلاف ألسنتكم وألوانكم (1) والمعنيان محتملا الإرادة وتقدير - الخبر: معرفة المرء مخبو تحت لسانه لان نفس حقيقة المرء لا يظهرها العبارة واعلم أنه لما كان الانسان ليس عبارة عن مجرد هذا البدن المحسوس بل لابد في تحقق الانسان من أمر اخر كما علمت قبل وكان لا ينفك ذلك الامر عن أن يكون موصوفا بصفة كمال أو صفة نقصان وكان ذلك الجزء منه وما يصحبه من الصفات الكمالية والنقصانية مستورا لا يطلع عليه (2) أحد من أبناء نوعه بشئ من الحواس، إذ كان غير محسوس بل لابد في الاطلاع عليه بحسب العقل من دليل يوضح تحققه لاجرم صدق عليه انه مستور مخبوء.
ثم إن العناية الإلهية اقتضت أن يكون له قوة نطقية معربة عن تلك الصفات بحسب الالتزام كاشفة لستر الجهل بها عن بصائر المبصرين وضمائر المختبرين فلا جرم صدق ان المرء مخبوء " تحت " لسانه، والمقصود من جهة " تحت " إنما هي الجهة الوهمية لا المكانية وإنما خصصها بجهة " تحت " لان العبارة التي هي المقصود من وضع اللسان لما كان سببا يكشف لذلك الستر ويظهر معرفة المرء من خباء الجهل به إلى ظاهره بالانتقاش في أذهان المختبرين وكان السبب أعلى من المسبب لاجرم كان المسبب الذي هو المعرفة تحت سببه الذي هو اللسان المشار إليه.
وان حملنا اللسان على حقيقته كان أيضا حسنا فان هذه اللحمة المخصوصة لها سببية في تلك المعرفة واظهارها فإنها محل العبارة فهي سبب معدلها وباقي التقرير بحاله، وهذه نكتة لطيفة في باب الاستعارة وهي قطرة من بحر اسرار كلامه عليه السلام فانظر إلى عناية الله كيف خصته بهذا القوة القديسة الشريفة البالغة تقريرا وبيانا لقوله تعالى: يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر الا أولوا الألباب (3).
पृष्ठ 64