الحق أن إفادة اليقين إنما تتوقف على انتفاء المعارض وعدم اعتقاد ثبوته لا على العلم بانتفائه إذ كثيرا ما يحصل اليقين من الدليل ولا يخطر المعارض بالبال إثباتا أو نفيا فضلا عن العلم بذلك فما يقال أن إفادة اليقين تكون مع العلم بنفي المعارض وأنه يفيد ذلك ويستلزمه فمعناه أنه يكون بحيث إذا لاحظ العقل هذا المعارض جزم بانتفائه ويدل على ما ذكرنا قطعا ما ذكروا في بيان هذا الاشتراط من أنه لا جزم مع المعارض بل الحاصل معه التوقف فليتأمل والله الهادي (قال المقصد الثاني) قد سبقت الإشارة إلى أن وجه تقديم هذا المقصد على الأربعة الباقية توقف بعض بياناتها عليه ووجه إفراده عنها مع كونه عايدا إليها هو أنه لما كان البحث عن أحوال الموجود وقد انقسم إلى الواجب والجوهر والعرض واختص كل منها بأحوال تعرف في بابه احتيج إلى باب لمعرفة الأحوال المشتركة بين الثلاثة كالوجود والوحدة أو الاثنين فقط كالحدوث والكثرة وبهذا يظهر أن المراد بالموجودات في قولهم الأمور العامة ما يعم أكثر الموجودات هو أقسامه الثلاثة التي هي الواجب والجوهر والعرض لا أفراده التي لا سبيل للعقل إلى حصرها وتعيين الأكثر منها والحكم بأن مثل العلية والكثرة يعم أكثرها ولا خفاء في أن المقصود بالنظر ما يتعلق به غرض علمي ويترتب عليه مقصودا صلى من الفن ولا يكون له ذكر في أحد المقاصد بالأصالة وإلا فكثير من الأمور الشاملة مما لا يبحث عنه في الباب كالكمية والكيفية والإضافة والمعلومية والمقدورية وسائر مباحث الكليات الخمس والحد والرسم والوضع والحمل بل عامة المعقولات الثانية ولا يضر كون البعض اعتباريا محضا أو غير مختص بالموجود لأن بعض ما يبحث عنه أيضا كذلك كالإمكان فإن قيل قد يبحث عما لا يشمل الموجود أصلا كالامتناع والعدم وعما يخص الواجب قطعا كالوجوب والقدم قلنا لما كان البحث مقصورا على أحوال الموجود كان بحث العدم والامتناع بالعرض لكونهما في مقابلة الوجود والإمكان وبحث الوجوب والقدم من حهة كونهما من أقسام مطلق الوجوب والقدم أعني ضرورة الوجود بالذات أو بالغير وعدم االمسبوقية بالعدم وهما من الأمور الشاملة أما الوجوب فظاهر وأما القدم فعلى رأي الفلاسفة حيث يقولون بقدم المجردات والحركة والزمان وغيرهما من الجواهر والأعراض ونظر الكلام فيه من جهة النفي لا الإثبات يعني أنه ليس من الأمور العامة كبحث الحال عند من ينفيه وقد تفسر الأمور العامة بما يعم أكثر الموجودات أو المعدومات ليشمل العدم والامتناع وإلى هذا كان ينبغي أن يذهب صاحب المواقف حيث زعم أن ليس موضوع الكلام هو الموجود لما أنه يبحث عن المعدوم قال الفصل الأول رتب المقصد الثاني على ثلاثة فصول في الوجود والماهية ولواحقهما والفصل الأول يتضمن البحث عن العدم والحق أن تصور الوجود بديهي وأن هذا الحكم أيضا بديهي يقطع به كل عاقل يلتفت إليه وإن لم يمارس
पृष्ठ 55