لمن زحلوقة زل بها العينان تنهل
ولم يقل: تنهلان وكذلك قول الآخر:
ولو رضيت يداي بها وضنت
لكان علي للقدر الخيار
ولم يقل: وظنتا.
فتخرج الأبيات على هذا، وأمثال ذلك قليل، بل الفصيح من كلامهم: ضربوني وضربت قومك.
وقد يعود الضمير في هذا الباب على اللفظ لا على المعنى، وذلك نحو: ظننت وظننت زيدا قائما، المعنى: وظنني قائما، فعاد الضمير على قائم الأول لفظا لا معنى، ألا ترى أنه لا يريد: وظنني ذلك القائم المذكور لأن القائم المذكور هو زيد، فلو كان الضمير عائدا عليه لفظا ومعنى لكان المعنى: وظنني زيد نفسه، وذلك لا يتصور.
ولما خفي هذا الوجه على أبي الحسن بن الطراوة منع هذه المسألة لفساد معناها، والدليل على أن الضمير يعود على الظاهر في اللفظ لا في المعنى قول الشاعر:
أرى كل قوم قاربوا قيد فحلهم
ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أراد ونحن خلعنا فحلنا فهو سارب فعاد الضمير على الفحل المتقدم الذكر والمراد إنما هو غيره. ومنه قول النابغة:
ألا ليتما هذا الحمام لنا
إلا حمامتنا ونصفه فقد
أراد ونصف حمام آخر مثل هذا الحمام، لأنه قد كان تمنى الحمام كله، فمحال أن يتمنى بعد ذلك نصفه، فثبت أنه أعاد الضمير على اللفظ وهو يريد غيره لموافقته له في اللفظ، ومثل ذلك كثير. وقد أوضحت ذلك وبينته بأكثر من هذا البيان في الباب الذي بعد هذا، فعلى ما ذكرنا من القوانين يكون إجراء مسائل هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ومما ذكرناه في أول الباب في حد الإعمال يتبين إذن فساد من الحق قول امرىء القيس:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة
पृष्ठ 79