درهم «١»، ضحى به خالد القسري «٢» في يوم النحر، وقال: ضحوا أيها الناس تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوّا كبيرا، ثم نزل فذبحه.
ثم إنهم صاروا يقولون إنه متكلم مجازا ثم أظهروا القول بأنه متكلم حقيقة وفسروا ذلك بأنه خالق للكلام في غيره، وكان هذا من التلبيس على الناس فإن المتكلم عند الناس من قام به الكلام لا من أحدثه في غيره، كما أن المريد والرحيم والسميع والبصير والعالم والقادر من قامت به الإرادة والرحمة والسمع والبصر والعلم والقدرة لا من أحدث ذلك في غيره وكذلك الإرادة.
ومن الجهمية والمعتزلة وغيرهم من يقول إنه لا إرادة له كما يقوله من يقوله من المعتزلة البغداديين، ومنهم من يقول: له إرادة أحدثها لا في محل كما يقوله البصريون منهم، والشيعة المتأخرون وافقوهم على ذلك ولهم قولان كالمعتزلة وهو من أفسد الأقوال من وجهين: من جهة إثباتهم صفة لا في محل، ومن جهة إثباتهم حادثا أحدثه لا بإرادة.
فهذا المصنف: احترز عن مذهب هؤلاء وأحسن في ذلك، ولكن هذا المصنف اختصر هذه العقيدة من كتب المتكلمين الصفاتية الذين يثبتون ما ذكره من الصفات بما نبه عليه من الطرق العقلية ويسمون ذلك العقليات.
وأما أمر المعاد: فيجعلونه كله من باب السمعيات لأنه ممكن في العقل
_________
(١) هو المبتدع الضال الجعد بن درهم الذي زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر والقصة مشهورة، وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة منها أنه جعل في قارورة ترابا وماء فاستحال دودا وهوام، فقال: أنا خلقت هذا، لأني كنت سبب كونه، نسأل الله تعالى السلامة.
انظر ترجمته في ميزان الاعتدال (٢/ ١٢٥) ولسان الميزان (٢/ ١٣٤) والمغني (١/ ١٣١) والضعفاء الكبير (١/ ٣٠٦).
(٢) هو الأمير أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقين لهشام، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان.
كان جوادا ممدّحا عالي الرتبة من نبلاء الرجال وله دار كبيرة في مربعة القز بدمشق ثم صارت تعرف بدار الشريف اليزيدي.
انظر ترجمته في السير (٥/ ٤٢٥) والجرح والتعديل (٣/ ٣٥٧) وتاريخ ابن عساكر (٥/ ١١٧).
1 / 36