قال أرسطاطاليس : « لكن يجب أن يكون الموضوع في البرهان هو الذي يؤخذ ويقر أنه موجود ، من غير أن يبحث عن وجوده . فأما المحمول في البرهان والقضايا فإنها تشترك جميعا في أنها ينظر فيها على ما يدل اسمها . وينفصل أحدهما من الآخر من قبل أن المقدمات يتسلم تسلما أنها موجودة ، فأما المحمول فإنه يبين وجوده بها . فإن الوحدة والمثلث والمستقيم تحتاج أن ينظر في أمرها على ما يدل اسمها . والوحدة والعظم تؤخذ أخذا على أنها موجودة . فأما المحمولات واللوازم فإنها تحتاج أن يبين وجودها للموضوعات . » التفسير لما أخبر أن صاحب البرهان ليس يمكن أن يبرهن أسباب موضوع . [٥٢ أ] صناعته إن كانت أسبابه مجهولة ، أعنى برهانا مطلقا ، أخذ يعرف أى الأشياء يجب على صاحب الصناعة أن يتسلم وجودها وأى الأشياء هى التى يمكن أن يبينها فقال : « كان يجب أن يكون الموضوع فى البرهان هو الذى يوجد ويقرأنه موجود » - يريد أن الصنائع لما كانت تشتمل على ثلاثة أجناس : على الموضوعات ، والمطلوبات والمقدمات . - فأما الموضوعات فأنه يجب على صاحب البرهان أن يسلم وجودها إما على أنه معروف بنفسه ، وإما على أنه شىء قد تبين فى صناعة أخرى . وهذا الذى قاله من أمر الموضوع بين بنفسه ، وذلك أن الصناعة إنما تبرهن الشىء الموجود للموضوع ، وذلك أما فى المطلوبات المركبة فبين . وذلك أنه إذا طلب الطالب : هل هكذا كذا ؟ مثل أن يطلب : هل المثلث مساوية زواياه لقائمتين ? فإن الذى يطلب مثل هذا الطلب لا بد أن يكون المثلث عنده شيئا موجودا ، وكذلك مساواة الزوايا لقائمتين . وإنما الذى هو < أنه > للمثلث . فإذا كان العظم عنده مثلا ، الذى هو جنس لصناعة الهندسة ، غير معلوم ، لم يتصور منه هذا الطلب . وأما المطلوب المطلق ، وهو : هل كذا موجود فقط ؟ فقد يطن أنه ليس من شرط هذا الطلب وجود جزء مفروض . وليس الأمر كذلك ، فإن قول القائل : موجود ، إما أن يعنى بصفة كذا ، كأنك قلت : موجود متحركا ، أو موجود بإطلاق . فإن عنينا به موجودا متحركا ، فإنما معناه : ما يدل عليه هذا الاسم هو موجود من جنس الموجودات المتحركة . فقد استبان إذن الجنس من الموجودات الذى يطلب : هل هذا نوع منه ، أم لا . وذلك هو جنس الصناعة . وإن سألنا عنه مطلقا فقد أثبتنا جنس الموجود المطلق . وإنما يطلب : هل هو نوع من أنواع الموجود المطلق ؟ وكيفما كان ، فقد فرضنا موضوع الصناعة شيئا موجودا . وذلك أمر بين بنفسه وبما قلناه . ولما أخبر أن الموضوع فى الصناعة يجب أن يتسلم صاحب الصناعة وجوده وهو الجزء المفروض ، أخبر عن المحمول ، فقال : . وأما المحمول فى البرهان والقضايا فإنها تشترك جميعا فى أنها ينظر فيها على ماذا يدل اسمها » - يريد بالمحمول فى البرهان : الجزء المطلوب . ويريد به فى القضايا : الطرف الأكبر والأوسط . وذلك إن المحمول - كان جزء نتيجة ، أو كان جزء قضية - يجب أن يعرف على ماذا يدل اسمه . وتختص القضية بأن يعرف بأنه موجود للموضوع ، أو بأن يوضع كذلك . ولذلك قال : « وينفصل أحدهما من الآخر ، من قبل أن المقدمات يتسلم تسلما أنها موجودة » - يريد ويتوصل المحمول فى القضايا من المحمول فى المطلوب من قيل أن المحمول فى المقدمات ينبغى أن يسلم أنه موجود أى يوضع كذلك . وقوله : « فأما المحمول فإنه قد يبين وجوده بها » - يريد فأما المحمول [٥٢ ب ] فى المطلوب فإنه تبين وجوده بالمقدمات . وكأن هذا أشار به إلى العلة فى كون المقدمات يجب أن يسلم وجود المحمول فيها للموضوع ، إذ كان بها يبين وجود المحمول فى المطلوب للموضوع . ولما كان الموضوع للصناعة وأجزاء الموضوع يحتاج من أمره أن يفهم على ماذا يدل منه وأن يسلم وجوده كالحال فى المقدمات قال : « فإن المثلث والوحدة والمستقيم تحتاج أن ينظر فى أمرها على ماذا يدل اسمها . والوحدة والعظم تؤخذ أخذا على أنها موجودة » - يريد أن الوحدة التى هى موضوع صناعة العدد أو جزء موضوعه ، وكذلك المثلث في صناعة الهندسة يحتاج أن يكون عند الناظر بكل واحد منهما فهم ما يدل عليه اسمه وأنه شىء موجود . وقوله : « فأما المحمولات واللوازم فإنها تحتاج أن يبين وجودها للموضوع » - يعنى : المطلوبات ؛ وإنما قال : « المحمولات واللوزام » لأن المطلوبات صنفان : إما أعراض ، وإما حدود ، أو أجزاء حدود . فأراد ب « اللوازم » : الأعراض الذاتية ، وأراد ب « المحمولات » إما ما يعم جميع المطلب ، وإما الذاتية التى هى حدود أو أجزاء حدود . قال أرسطاطاليس : « والمقدمات التى نبين بها ما نبين بالبرهان فقد تنقسم : فمنها ما هى خاصية وذاتية لطبيعة واحدة ، ومنها ما هى عامية لطبائع كثيرة ، لكن عمومها ليس كعموم طبيعة ، لكن عموم نسبة . وهذه إذا برهن بها صاحب صناعة صناعة أدناها من موضوعه الخاص به . فالمقدمات الخاصية هى مثل أن الخط هو هذا ، والمستقيم هو هذا . والمقدمات العامية هى بمنزلة القول : إذا نقص من المتساوية متساوية بقيت الباقية متساوية . والمقدمات العامية إذا استعملها صاحب علم علم وقربها وأدناها من موضوعه الخاص به كانت ذاتية كافية ومناسبة لموضوعه الخاص به ، وواحد فعلها إذا أقرت على عمومها [76 B ]* أو قربت من طبيعة خاصية ، بمنزلة العظم والعدد . » التفسير لما كان قد بين أن الحدود الثلاثة فى البراهين ينبغى أن تكون من طبيعة موضوع الصناعة ، وكان مما يشكك في ذلك المقدمات العامة ، وكان قد وعد بحل الشك العارض في ذلك من قبلها - أخذها هنا فى حله ، وابتدأ من ذلك بتقسيم المقدمات فقال : « والمقدمات التى نبين بها ما نبين بالبرهان » - أى تبين بها نتائج البرهان الحقيقية ، تنقسم إلى صنفين . ثم عدد ذينك الصنفين فقال : فمنها ما هى خاصة وذاتية لطبيعة واحدة ، ومنها ما هى عامة لطبائع كثيرة . وهذا الذى قاله أمر معروف بنفسه ، وهو الذى شكك [٥٣ أ] حتى ظن أن من الذاتية ما هو أعم من طبيعة الصناعة ، وهو ظاهر كلام أبي نصر فى غير ما موضع من كتابه ، وإن كان قد يومئ إلى الشك فى ذلك . ولما كان إنما يلزم أن يكون الأمر على ما قاله أبو نصر ، لو كان عموم هذه المقدمات عموم الأشياء المقولة بتواطؤ أو المقولة بتقديم وتأخير . وذلك أنه قد تبين أن المقدمات الذاتية تؤخذ فى العلوم بهذين الصنفين . وذلك أنه إذا كان موضوع الصناعة مقولا بتواطؤ ، كانت المقدمة الذاتية بهذه الصفة . وإذا كان مقولا بتقديم وتأخير ، كانت مقدمات الصناعة بهذه الصفة . وهو بين أن أمثال هذه المقدمات ليست مقولة بتقديم وتأخير ، أعنى القائلة إن الأشياء المساوية لشىء واحد متساوية ، وما أشبه ذلك . وذلك أنه لو كانت مقولة بتقديم وتأخير ، لكانت الصناعة الناظرة فى الكم صناعة واحدة . وإذا لم تكن مقولة بتقديم وتأخير ، فأحرى ألا تكون بتواطؤ . وإذا لم تكن مقولة بواحد من هذين ، فهى مقولة بضرب من ضروب الاسم المشترك ، وهو الذى يقال بتشابه . وهذا قد يعد جنسا فى المشهور . ولذلك جعل الكم جنسا واحدا . وهذا هو الذى أراد بقوله :- « لكن عمومها ليس كعموم طبيعة ، لكن كعموم نسبة » - يريد أن عموم هذه المقدمات ليس كعموم طبيعة من الطبائع المنظور فيها فى صناعة صناعة ، سواء كان العموم بتقديم وتأخير ، أو كان بتواطؤ . وبهذا ينحل الشك العارض من قبل هذه المقدمات فيما قيل من المقدمات الذاتية هى خاصة بالطبيعة ، وانه ليس يمكن أن تنقل البراهين . والفرق بين هذه المقدمات والمقدمات الصادقة الغير ذاتية أن الصناعة الغير ذاتية ليست مشتركة ، وهذه مشتركة صادقة . ولذك إذا أدناها ، كما يقول أرسطو - صاحب صناعة صناعة من موضوعه ، لم يكن فرق بينها وبكن الذاتية . وهذأ هو الذى أراد بقوله : « والمقدمات العامية إذا استعملها صاحب علم علم أدناها من موضوعه الخاص به كانت ذاتية كافية ومناسبة لموضوعه الخاص به . » ثم قال : « وواحد فعلها إذا أقرت على عمومها أو قربت من طبيعة خاصية ، بمنزلة العطم » - يريد أن فعلها واحد أدناها صاحب الصناعة من موضوعه ، بأن يبدل اسمهما ، مثل أن يقول في صناعة الهندسة : بدل الأشياء المساوية لشىء واحد متساوية : الخطوط المنطبقة على خط واحد فهى منطبقة بعضها على بعض ؛ أو يتركها باسمها العام إذا فهم منه المعنى الذى يخصه فى صناعة ، مثلما يعرض فى الاسم المشترك ، أعنى أن فعله يكون واحدا ، إذا فهم منه المخاطب معنى واحدا بعينه من المعانى [٥٣ ب ] التى يدل عليها ذلك الاسم ، سواء وضع لذلك المعنى خاصا ، أو لم يضع له اسما ، بل فهمه من الاسم المشترك ، وإن كان وضعه الرفع للالتباس ولموضع الغلط . وهذا هو الذى أراد بقوله : « وهذه إذا برهن بها صاحب صناعة صناعة أدناها من موضوعه الخاص به » . وقوله : « فالمقدمات الخاصية هى مثل أن الخط هو هذا ، والمستقيم هو هذا » - يريد : هى - مثل قول المهندس إن الخط هو طول بلا عرض ، وإن الخط المستقيم هو الذى تكون النقط الموضوعة عليه فى سمت واحد ، وأنه أقصر خط وصل به بين نقتطين ، وما أشبه ذلك من الحدود التى جرت عادة المهندسين أن تحط الخطوط بها . قال أرسطاطاليس : « ومن الأمور الخاصة فى البرهان : « الموضوع » ، وهو الذى من شأن البرهان أن يتسلم وجوده تسلما وتبين له الأشياء الذاتية ، بمنزلة الوحدة فى العدد ، والنقطة فى الهندسة . والبرهان يضع هذين على انهما موجودان . فأما التأثيرات الذاتية التى البرهان يبين وجودها لها ، فإن البرهان ينظر فى أمرها على ماذا يدل اسمها : أما فى صناعة العدد فننظر على ماذا يدل اسم الفرد والزوج ، والمكعب ، والدائرة . وأما فى صناعة الهندسة فينظر على ماذا يدل اسم : الأصم ، والمنكسر ، والمنعطف ، وأما وجودها فإنما يبين بالمقدمات المناسبة الخاصية بتلك الطبيعة ، والعامية . وكذلك يجرى الأمر فى علم النجوم . » التفسير قوله : « ومن الأمور الخاصية فى البرهان : الموضوع » - يعنى بالخاصية : التى يتقوم بها البرهان من جهة ما هى خاصة به . وقوله : « الموضوع » - يعنى به : موضوع الصناعة . وقوله : « وهو الذى من شأن البرهان أن يسلم وجوده تسلما وتبين له الأشياء الذاتية » - يريد أن البرهان من شأنه أن يسلم الموضوع الذى عليه يكون البرهان ، لأنه لو كان لموضوع البرهان برهان ، لمر الأمر إلى غير نهاية . وكذلك حاله فى المقدمات ، أعنى أنها مما يضعها صاحب البرهان وضعا . وقوله : « وتبين له الأشياء الذاتية » - يريد :أن الموضوع هذا من صفته ، أعنى أن تبين له الأشياء الذاتية . وقوله : « بمنزلة الوحدة فى العدد والنقطة فى الهندسة » - يريد أن الوحدة فى العدد هى موضوع صناعة العدد ، والنقطة موضوع صناعة الهندسة . وإنما مثل ذلك بالوحدة والنقطة ، لأن الوحدة هى أخفى من العدد . وكذلك وجود النقطة أخفى من وجود الخط والسطح ، وإن كانت كلها موضوعة لصناعة العدد . وقوله : « والبرهان يضع هذين على أنهما موجودان - يريد بذلك : الوحدة فى صناعة العدد وما أشبهها ، والنقطة [٥٤ أ] فى صناعة الهندسة . وقوله : « فأما التأثيرات الذاتية التى البرهان بين وجودها له ، فإن البرهان ينظر من أمرها على ماذا يدل اسمها » - يريد : فأما الأعراض الذاتية التى بين البرهان وجودها لأمثال هذه الموضوعات فإن صاحب الصناعة ينظر من أمرها ، قبل أن يشرع فى ببان وجودها أو سببها ، عن شىء شىء من أنواع موضوعاته على ماذا يدل اسمها وحينئذ يشرع فى ذلك . ولما ذكر هذا من أمر الأعراض الذاتية ، أتى بمثال من ذلك فقال : « أما فى صناعة العدد فينظر على ماذ يدل اسم الفرد والزوج والمكعب والدائرة » - يريد : مثال ذلك أن صاحب العدد ، قبل نظره فى تبيين العدد الذى هو زوج ، والعدد الذى هو فرد ، ينظر أولا ما يدل عليه اسم الزوج والفرد بالرسوم الشارحة لأسمائها . وقوله : « والدائرة » - المراد به : وينظر فيما يعنيه بالأعداد المستديرة ، وذلك أن هذه الأشياء قد تؤخذ فى العدد ، وإنما حقيقتها فى الهندسة . ولخفاء هذه المعانى فى هذه الصناعة ، كانت أشد احتياجا إلى شرح ما تدل عليها أسماؤها . ولذلك - فيما أحسب - تمثل بها . وقوله : « وأما فى صناعة الهندسة فينظر على ماذا يدل اسم : الأصم والمنكسر « المنعطف » - يريد بالأصم : الأعظام التى ليست بمنطقية . وهذا النظر هو فى الخطوط من جهة ما تلحقها الأعداد . وهو النظر المستعمل في العاشرة من اقليدس . وأما قوله : « والمنكسر والمنعطف » إن لم يكن تصحيفا وقع فى النسخة فليس من الأشياء التى يحتاج المهندس إلى شرحها ، ولكن من الأسماء التى يحتاج صاحب علم المناظر إلى شرح ما تدل عليه ، لان خطوط الشعاع : منه ما يكون منكسرا ، ومنه ما يكون منعطفا ، ومنه ما يكون مستقيما . والرؤية تأتي بهذه الثلاثة الأصناف . وإنما نسبها إلى الهندسة من قبل أن علم المناظر داخل تحت علم الهندسة . وهذه الأشياء التى تمثل بها هى من الأشياء التى شرح الأسماء ضرورى فى تعليمها وبين جدا . ويحتمل أن يريد ب « المنكسر والمنعطف » : الخط المنحنى ، وذلك أن الخطوط ثلاثة : مستقيم ، ومستدير ، ومنحنى . وهو بعيد . وقوله : « وأما وجودها فإما يبين بالمقدمات المناسبة الخاصية بتلك الطبيعة والعامية » - يريد : وأما وجود أمثال هذه لنوع نوع كل من أنواع موضوع الصناعة ، بعد أن يتقدم فيشرح ما تدل عليه أسماؤها ، فإنما يبين ذلك بالمقدمات الخاصية المناسبة لطبيعة الموضوع . وقوله : « والعامية » - يعنى بها التى بين من أمرها أن قوتها قوة الخاصية . وقوله : « وكذلك يجرى الأمر فى علم النجوم » - يعنى أن الناظر فى علم الهندسة يتقدم أولا فيذكر رسم الأشياء التى يريد أن يبين وجودها لجزء جزء من موضوع صناعته . [٥٤ ب ] قال أرسطاطاليس : « وكل برهان فإن التئامه وقوامه من أشياء ثلاثة : أحدها الموضوع الذي يشرع المبرهن في أن يبين التأثيرات اللازمة له بذاتها ، وهو الذي يؤخذ على أنه موجود . والثاني : القضايا الواجب قبولها الغير ذات أوساط التي بتوسطها بين وجود المحمول للموضوع . والثالث : المحمولات التي ينظر في أمرها على ماذا يدل اسمها ، لا كما في بعض الأمور لسنا نحتاج إلى مثل هذا الاستثناء في الموضوع والمحمول والمقدمات لظهوره ، فإن الحار والبارد لسنا نحتاج أن نستثني منهما أنهما يؤخذان على انهما موجودان كمثل حاجتنا إلى ذلك في العدد . وكذلك أيضا بعض المحمولات ، لظهورها ، لسنا نحتاج أن نستثني فيها على ماذا يدل اسمها . وبعض المقدمات صورتها أيضا بهذه الصورة : فإن القضية القائلة : إذا نقصر من المتساوية متساوية بقيت الباقية متساوية - لسنا نحتاج أن نستثني فيها على ماذا يدل اسمها وأنها موجودة لشدة ظهورها . إلا أن ذلك ليس بقادح في البرهان في أن التئامه وقوامه من هذه الثلاثة الأشياء ، أعني الشيء الذي يبرهن ، والشيء الذي عليه يقع البرهان ، والشيء الذي منه يكون البرهان . » التفسير لما قال إن المحمولات المطلوبة في البرهان يحتاج المبرهن من أمرها أن يتقدم فيعرف ما يدل عليه اسمها ، وأن المقدمات أيضا يحتاج من أمرها إلى فهم ما يدل عليه الاسم ، وكذلك الحال في الموضوع . إلا أن الفرق بينهما أن المقدمات والموضوع يتسلم صاحب الصناعة وجودها ، والمطلوبات يتكفل بتبيين وجودها . وكان أكثريا للمقدمات والموضوع - يريد أن يعرف أن هذا ليس يعرض في كل موضع للمقدمات ، أعني أنه يحتاج فيها إلى أن يتقدم فينظر فيما ذا يدل اسمها ، وكذلك في الموضوع ، وأن الموضوع أيضا قد يعرض له أن يكون معروف الوجود بنفسه فليس يحتاج فيه أن يتسلم وجوده ، ولا إلى شرح ما يدل عليه اسمه . وكذلك المقدمات توجد بهذين الصنفين : أعني أن منها ما يحتاج أن يتقدم فيشرح ما يدل عليه الاسم ، وبعضها ليس يحتاج فيه إلى ذلك. ومن هذه ما يتسلم وجودها من صناعة أخرى ، ومنها ما يكون معروفا بنفسه في الصناعة . فلمكان هذا ، احتاج أن يعيد الكلام من رأس . فقال : وكل برهان فإن التئامه وقوامه من أشياء ثلاثة : أحدها : الموضوع الذي يشرع المبرهن في أن يبين التأثيرات له بذاتها - يعنى بالتأثيرات : الأعراض الذاتية . وإنما خص الأعراض دون الأسباب [ ٥٥ أ] لأنها هى المطلوبة بالأسباب أكثر ذلك . والأسباب إذا طلبت فإنما تكون البراهين المنتجة لها ، اكثر ذلك ، دلائل . وقوله : « وهو الذى يؤخذ على أنه موجود » - يريد : وهو الذى من شانه أن يضع وجوده صاحب الصناعة وضعا ، من غير أن يطلب وجوده ، إن كان وجوده غير بين ؛ أو من غير أن يتعرض لمناقضة من يبطل وجوده ، إن كان معروفا بنفسه . ولما ذكر أحد الثلاثة التى منها التئام كل برهان ، ذكر الثانى فقال : « والثانى : القضايا الواجب قبولها الغير ذات أوساط ، التى بتوسطها يبين وجود المحمول لموضوع » - يعنى : :« بغير ذات الأوساط » : المعروفة بنفسها . ويمكن أن يفهم مع هذا أن تكون أولية ، أى ذوات أسباب قريبة ، فلا يكون المحمول فيها من قبل وسط أصلا : لا وسط قياسي ، ولا وسط طبيعى . وذلك أن من المقدمات الأول ما يكون فيها وسط طبيعى ، وهى الغير أول ؛ ومنها مالا يكون ذلك فيها ، وهى الأول . ولذلك ينبغى أن يفهم من قوله : « الغير ذوات أوساط » : المعنيان جميعا . ثم قال : « والثالث : المحمولات التى ينظر فى أمرها على ماذا يدل أسمها » - يعني : المطلوبات . ولما كان هذا الشرط غير عائم لجميع المطلوبات ، ولا لجميع المقدمات ، ولا للموضوعات ، وكان أيضا سلم وجود الموضوع عاما لجميع الصنائع ، إذ كان موضوع بعضها معروفا بنفسه - قال : « وإنما نحتاج إلى مثل هذا الاستثناء فى الموضوع والمحمول والمقدمات لظهوره » - يريد : أن اشتراط شرح ما يدل عليه الاسم ليس يحتاج إليه دائما فى الموضوعات ولا فى المطلوبات ، ولا فى المقدمات ، إذ كثير من هذه معروف من أول الأمر دلالة اسمها . ولا يجب أيضا أن يشترط فى كل موضوع أن يكون مسلم الوجود . ثم قال : « مثل الحار والبارد لسنا نحتاج إلى أن نستثنى منهما أنهما يؤخذ أن على أنهما موجودان ، كمثل حاجتنا إلى ذلك في العدد » - يريد : أن الجسم الحار والبارد اللذين هما من أحد أجزاء الموضوعات للعلم الطبيعى ليس يحتاج صاحب العلم الطبيعى إلى أن يتسلمها تسلما على أن وجودهما بين فى علم آخر ، كما يحتاج إلى ذلك صاحب علم العدد . وإنما قال ذلك لأن العدد يشك فى كيفية وجوده خارج النفس . فإن قوما أفرطوا فقالوا إنه ليس عدد خارج النفس . وقوم افرطوا فى الطرف الثانى فقالوا إن الأعداد جواهر خارج النفس وأنها مبادئ الموجودات . والفحص عن ذلك فيما بعد الطبيعة . ثم قال : « وكذلك بعض المحمولات لظهورها السنا نحتاج أن نستثنى فيها على ما يدل أسمها » - يريد أن كثيرا من المطلوبات ليس يحتاج المبرهن - قبل البرهان عليها أن يتقدم فيشرح ما يدل عليه [٥٥ ب ] اسمها ، وهذا إنما يوجد ، اكثر ذلك ، فى العلم الطبيعى ، مثل أن يطلب : هل القمر والكواكب من طبيعة جرم السماء ، أو من غير طبيعتها ؟ وهل النار موجودة ، أم لا ؟ وأكثر المطالب يحتاج أن يتقدم فيشرح ما يدل عليه اسمه . وقد احتاج هو إلى ذلك فى الحار والبارد ، حين فحص عنه فى كتاب « الحيوان » . ثم قال : « وبعض المقومات صورتها هذه الصورة : فإن القضية القائلة : إذا نقص من المتساوية متساوية بقيت الباقية متساوية ، لسنا نحتاج إلى أن نستثنى فيها على ماذا يدل أسمها » - يريد ، أن معرفتها تحصل للانسان ويتعرف بها ، وإن لم يتقدم الإنسان فيشرح له اسمها ، بخلاف كثير من القضايا ، مثل قول القائل : إن كل موضع من الأرض فله أفق ، وإن المتقابلين يقتسمان الصدق والكذب . فإنه أن لم يتقدم الإنسان فيشرح له هذه الأسماء ، لم يعترف بأمثال هذه المقدمات . ثم قال : « إلا أن ذلك ليس بقادح فى البرهان : فى أن التئامه وقوامه من هذه الثلاثة الأشياء ، أعنى الشىء الذى يبرهن ، والشىء الذى يقع عليه البرهان والشىء الذى منه يكون » - يريد : لكن اختلاف المقدمات والمطلوبات والموضوع فى هذه الأحوال ليس يخل بالقضية القائلة إن كل برهان فإنما يأتلف من ثلاثة أشياء : من المقدمات ، والمطلوبات ، والموضوع ، فإن هذه القضية ظاهرة بنفسها لمن عرف دلالة هذه الأسماء وأول البراهين ؛ بل ذلك واجب فى كل قياس ،فضلا عن كل برهان . قال أرسطاطاليس : « والعلم المتعارف يخالف المصادرة والأصل الموضوع ، من قبل أنه مقبول بذاته ، ويتوهم منه أنه مقبول بذاته . فإن البرهان ليس هو نحو النطق الخارج ، لكن نحو النطق الداخل ، وكذلك القياس أيضا فإن النطق الخارج قد يمكن أن يعاند أيضا دائما ؛ وأما النطق الداخل فلا يمكن معاندته دائما . » التفسير لما بين أن المقدمات ليس يبين وجودها صاحب الصناعة ، وإنما يضعها وضعا : إما من قبل أنها بينة بنفسها ، وإما من قبل أنها تبين فى صناعة أخرى - يريد أن يحصى هاهنا أصناف المقدمات التى يستعملها المبرهن من هذه الجهة ، أعنى من جهة ما يتسلم وجودها ، أعنى : كم هى أحوال المتعلم مع مقدمات البرهان . فقوله : « والعلم المتعارف يخالف المصادرة والأصل الموضوع من قبل أنه مقبول بذاته ويتوهم فيه أنه مقبول بذاته » - يريد : والمقدمات التى يجب أن يتسلمها المتعلم فى صناعة البرهان منها ما هى معروفة بنفسها ، أى : علوم متعارفة بالطبع ، ومنها ما هى مصادرات ، ومنها ما هى أصول موضوعة . والمقدمات التى من جنس العلوم المتعارفة تخالف المقدمات التى [٥٦ أ] تسمى المصادرات والتى تسمى أصولا موضوعة ، من قبل أن المقدمات التى هى من جنس العلوم المعروفه بنفسها هى معترف بها بذاتها بالنطق الداخل والنطق الخارج ، وهو الذى أراد بقوله : « ويتوهم فيه أنه مقبول بذاته » . فكأنه قال : من قبل أن العلم المتعارف مقبول بذاته ، أى معترف به بالنطق الخارج ، والتصور أي بالنطق الداخل . ولما زاد اشتراط النطق الداخل ، نبه على علة ذلك فقال : « فإن البرهان ليس هو نحو النطق الخارج ، لكن نحو النطق الداخل » - يريد : وإنما لم يقتصر فى رسم المقدمات المعروفة بنفسها على أنها التي يعترف بها بذاتها بالنطق الخارج دون أن أضفنا إلى ذلك : « وبالنطق الداخل » من قيل أن البرهان ليس يثبت من قبل النطق الخارج ، كالحال فى كثير من الأقاويل المشهورة ، بل من قيل اعتراف النطق الداخل به ، مع اعتراف النطق الخارج . وقوله : « وكذلك القياس » - يريد : والتصديق بالقول القياسي ليس يكتفى فيه أن يكون تصديقا بالقول الخارج دون النطق الداخل » - يريد : أى بسبب آخر يوجب اشتراط النطق الداخل فى القياس ، وفى مقدمات القياس ، أعنى البرهان ، فقال : « فإن النطق الخارج قد يمكن أن يعاند أيضا دائما . وأما النطق الداخل فلا يمكن معاندته دائما » -يريد ، فيما أحسب - أن التخاطب الذي بين المتناظرين بالنطق الخارج قد يمكن أن يمر العناد بينهما فيه إلى غير نهاية . وأما المخاطبة التى تكون من قبل النطق الداخل فإنه ليس تمر المخاطبة فيه إلى غير نهاية ، بل يرجع أحد المخاطبين للآخر . وإنما أراد أن ما تمر المخاطبة فيه إلى غير نهاية لا يقف المتخاطبان منها فى الشىء على حق . والبرهان هو الذى يوقف فيه على حق . فواجب أن يكون البرهان بالنطق الداخل . فأما أن المخاطبة التى تكون بالنطق تمر إلى غير نهاية - فذلك بين فى الخصومات وفى المناظرات الفقهية . ولذك وضع الفقهاء للمناظرات الفقهية نوبات محدودة من المعاندات لا يتعدونها ، وهى ثلاثة . وكان اليونانيون - لمكان هذا - يضعون عند الخصومات ماء جاريا تنقضى الخصومات بانقضائه . والآجال عندنا فى الأحكام لهذا المعنى وضعت . ويحتمل أن يريد أن المقدمات المعروفة بنفسها إن عاندها الانسان بلفظه ولسانه ليس يعاندها دائما ، بل يوافقها فى فعله ، مثلما نجد قوما كثيرين يعاندون أن يكون لفعل الإنسان تأثير فى دفع شر يتوقع واستجلاب خير ينتظر بألسنتهم ، وهم يخالفون قولهم بفعلهم . وأما الذى لا يعترف الانسان به بنطقه الداخل فقد يعانده دائما بنطقه الخارج . وهذا التفسير فسره متى المترجم . قال أرسطاطاليس : « والأصل الموضوع هو الذى يأخذه المتعلم عن المعلم على أنه من عنده ، لا على الأطلاق . فأما [٥٦ ب ] الشىء الذى يصادر عليه فهو الذى لا يكون عنده منه علم . وهذا على ضربين : إما ألا يكون عنده منه علم ألبتة ، وإما أن يكون عنده علم بضد ذلك . والفرق بين المصادرة والأصل الموضوع هو هذا . وذلك أن الأصل الموضوع هو ما كان مقبولا عند المتعلم ، لا فى ذاته . فأما المصادرة فهى التى ليست مقبولة عند المتعلم ، بل عنده خلافها . » التفسير لما عرف الفرق الذى بين المقدمات المعروفة بنفسها وبين سائر الأوضاع وهى ثلاثة : الذى يسمى الأصل الموضوع ، والذى يسمى المصادرة ، والذى يسمى الحد - أخذ يعرف الفرق بين هذه الثلاثة بعضها من بعض . وابتدأ برسم « الأصل الموضوع » فقال : « والأصل الموضوع هو الشىء الذى يأخذه المتعلم عن المعلم على أنه من عنده ، لا على الإطلاق » - يريد ، فيما أحسب ، أن الأصل الموضوع هو الذى يقبله المتعلم عن المعلم لحسن ظنه بالمعلم ، فيكون عنده من باب المقبولات ، لا من باب المقبولة بذاتها ، أى المعقولة . ولذلك قال : « على أنه من عنده ، لا على الإطلاق » فيكون ، على هذا ، عند المتعلم بالأصل الموضوع ظن ما . والظن يسمى - بجهة ما - علما . ولذلك قال بعد ذلك : « فأما الشىء الذى يصادر عليه المتعلم فهو الذى لا يكون عنده منه علم » - يعنى الذى ليس يكون عنده به صنف من أصناف العلم : لا مقبول ، ولا معقول . ثم قال : « وهذا صنفان : إما أن لا يكون عنده علم البته ، وإما أن يكون عنده علم بضد ذلك » - يريد : إما أن يكون عنده علم مقبول بضد ذلك . ثم قال : « وهذا الفرق بين المصادر والأصل الموضوع . . . إلى قوله : . . بل عنده خلافها » - يعنى أن الفرق بين الأصل الموضوع والمصادرة أن الأصل الموضوع هو مقبول عند المتعلم . وأما المصادرة فإما ألا يكون عنده علم بها : لا مقبول ، ولا معقول ؛ وإما أن يكون العلم المقبول الذى عنده فى ذلك الشىء هو ضد ذلك الأمر ومقابله . قال أرسطاطاليس : فيها أن شيئا موجود لشىء ، بل إنما فى بسائط وجزء لمقدمة . والحدود يفهم منها ذات الشىء ومعناه . فأما الأصول الموضوعة فليست كذلك ، اللهم إلا أن يسمى الإنسان كل ما يسمعه : أصلا موضوعا . إلا أن ذلك ليس بحق ،من فبل أن الأصول الموضوعة هى الأشياء التى أذا أخذت ووضعت يتبعها وجود النتيجة . » التفسير لما فرق بين المقدمات المعقوله وبين المقدمات التى تسمى [ ٥٧ أ] أصولا موضوعة والتى تسمى مصادرات - أخذ يعرف الفرق بين الحدود وبين الثلاثة المتقدمة ، فقال : « وتخالف الحدود الأصل الموضوع والمصادرة ، من قبل أن الحدود ليس يحكم فيها أن شيئا موجود لشىء ، بل أنما هى بسائط وجزء لمقدمة » - يريد أن الحدود وإن كانت تقتضب اقتضابا وتوضع على طريق الأمور المتسلمة ، كما يفعل ذلك بالأصول الموضوعات والمصادرات ، فالفرق بينهما وبين هذه أن الحدود ليس يحكم فيها بشىء على شىء ، ولا يوصف معها شىء بشىء على جهة ما يفعل بالأقاويل الجازمة ، أعنى التى تصدق وتكذب ، بل هى بمنزلة الألفاظ المفردة . وذلك أن تركيبها هو تركيب اشتراط وتقييد ، لا تركيب خبر . ولذلك كانت لا تصدق ، ولا تكذب ، بمنزلة الألفاظ البسائط . ولذلك قال فيها : « بل إنها هى بسيطة » وجزء لمقدمة ، يعنى أنها بسائط بالإضافة إلى تركيب لمقدمة ، لا أنها بسائط فى أنفسها . ثم زاد هذا المعنى إيضاحا فقال : « والحدود يفهم منها ذات الشىء ومعناه . فأما الأصول الموضوعة فليست كذلك ، اللهم إلا أن يسمى الإنسان كل ما يسمعه أصلا موضوعا » - يريد : والحدود قوتها قوة الاسم فى أنها إنما تفهم ذات الشىء ومعناه ، من غير أن يتضمن أنه موجود ، أو غير موجود . وإنما الفرق بينهما أن الأسماء تعرف ذات الشىء مجملا ، والحدود تعرفه مفصلا . وفى كون الحدود معدودة فى المقدمات ، أو فى الأقاويل الشارحة لذوات الأشياء : شك ، سيذكره فى المقالة الثانية من هذا الكتاب . ولما وضع أن الأصول الموضوعة من جنس الأخبار ، ووضع أن الحدود ليست من جنس الأخبار ، أنتج من ذلك فى الشكل الثانى أن الحدود ليست بأوضاع . ثم قال : « اللهم إلا أن يسقى الانسان كل ما يسمعه :أصلا موضوعا » - يريد إلا أن يصطلح إنسان فيسمى كل لفظ يفهم معنى : أصلا موضوعا . إلا أنه ان فعل ذلك فاعل ، فلم يفعل صوابا ، لأن الأشياء المتباينة يجب أن تكون أسماؤها متباينة لا متفقة . وهذا الذى أراد بقوله : « إلا أن ذلك ليس بحق » - يريد : إلا أن هذا الفعل من فاعله ليس بفعل صواب ، من قبل أن الأصول الموضوعة هى مقدمات إذا سلمت لزمت عنها نتيجة ، والحدود ليس تلزم عنها نتيجة . وهذا هو الذى أراد بقوله : « من قبل أن الأصول الموضوعة هى الأشياء التى إذا أخذت ووضعت وضعا تبعها وجود النتيجة - يريد : إذا وضعت ورتبت ترتيبا قياسيا ، بخلاف الحدود . قال أرسطاطاليس : « والمهندس فليس يستعمل فى تبيين مطالبه مقدمات كواذب ، كما عم قوم عند [٥٧ ب ] ما ظنوا بأنه يحكم على خط بأنه ذراع ، وليس بذراع ؛ ويحكم على خط بصورة أنه مستقيم ، وليس بمستقيم . وذلك بأن المهندس لا يستند في تبيين مطالبه إلى الخطوط المحسوسة [ 77 a]*، لكن إلى الخطوط التى يدل عليها من هذه ، وهى الخطوط المعقولة . » التفسير لما عدد أصناف المقدمات ، وكان قوم قد ظنوا أن هاهنا صنفا كاذبا من المقدمات يستعملها المهندس غير الذى ذكر- نبه على أن ما يظن من ذلك كاذب فقال : المهندس ليس يستعمل فى تبيين مطالبه مقدمات كواذب ، كما زعم قوم أنه يعرض له [ ذلك ] كثيرا : أن يحكم على خط أنه مساو لخط وليس بمساو له فى الحس أعنى فى الخطوط التى يتمثل بها ، وهو الذى أراد بقوله : « فإنه يحكم على أنه ذراع وليس بذراع » - وكذلك يعرض أن يحكم على الخط الذى تمثله بأنه مستقيم أو دائرة ، وهو فى الحقيقة ليس مستقيما . فلما بين وجه هذا القول قال فى جواب ذلك إن هذا الذى ينسب إلى المهندس من قبل ما يعرض له من هذا فى تعليمه - أمر باطل . وذلك أن المهندس ليس يستند فى تمثيله إلى الخطوط المحسوسه التى يرسم ، وإنما يستند فى تعليمه إلى الخطوط المتخيلة أو المعقوله التى تستعمل الخطوط المحسوسة دلالة عليها - بخلاف صاحب العلم الطبيعى : وذلك أنه إنما يستند فى تعليمه إلى المثالات المحسوسة . والسبب في مخالفة صاحب التعاليم في هذا لصاحب العلم الطبيعى أن التعاليمى إنما ينظر فى الخطوط ، وبالجملة : فى الأعظام ، من حيث هى فى النفس ؛ والطبيعى فإنما ينظر فيها وفى سائر ما ينظر فيه من حيث هى خارج النفس . قال أرسطاطاليس : « وفرق أخر بين الحدود والمصادرة ، والأصل الموضوع من قبل أن المصادرة والأصل الموضوع ليس يخلو إما أن تكون كلية ، وإما جزئية . وأما الحدود فليست كذلك .
١١ - <البديهيات>
पृष्ठ 319