اصفر وجه زينب، وحدجتني بنظرة استغاثة، فقلت لها: لدينا من المال الشيء الكثير.
فتساءلت: وهل تنجو الأموال؟ - لقد تحصنا ضد القدر بتأمينات شتى.
فراحت تتساءل في قلق: ومن أدرانا أ...
فقاطعتها: بالله خبريني، كيف سمنت إذن لهذا الحد؟
فهتفت بي: كنت في شبابك مثلهم لا تتكلم إلا عن الاشتراكية، وهي ما زالت في دمك.
ثم كررت علي أن أذكرك بالدواء. مصطفى، أنا لا يهمني شيء، لا يهمني شيء صدقني. لا أدري ماذا حصل لي، لن يهمني شيء، المهم عندي أن نلتقي لنستأنف هذرنا، ومناقشاتنا الجميلة التي لا معنى لها. وقد رمت لي الصدفة بحديث غرامي في الظلام دون أن يفطن لوجودي أصحاب الشأن، قال الرجل: عزيزتي نحن منحدرون إلى خطر مؤكد.
فقالت المرأة: هذا يعني أنك لا تحبني. - لكنك تعلمين تماما أنني أحبك. - إذا تكلمت بعقل؛ فهذا يعني أنك لم تعد تحبني. - ألا ترين أنني مسئول، وأنني جاوزت الشباب؟ - قل إنك لم تعد تحبني. - سوف نهلك معا، ونخرب بيتنا. - ألا تكف عن المواعظ؟ - لك زوجك وبناتك، ولي زوجتي وأبنائي. - ألم أقل إنك لم تعد تحبني؟! - ولكنني أحبك. - إذن، فلا تذكرني بغير الحب.
وابتعدت وأنا أتخيل الدراما الممتعة الفاضحة، وأضحك لجرأة المرأة وتهافت الرجل. ولكنهما ذكراني بصديق قديم اسمه الحب. يا إلهي ما أطول العمر الذي مضى دون حب! وماذا بقي لنا منه عدا ذكريات محنطة؟ كم أتمنى أن أتسلل إلى قلب عاشق! وأنا كما تعلم لم أحب في حياتي سوى زينب، ولكن كان ذلك منذ عشرين عاما. وما أذكره من ذلك التاريخ حركات ومواقف، لا مشاعر وانفعالات. وأذكر أنني قلت لك يوما: عيناها تصعقانني. وأذكر أنك لم تتخل عني أبدا، وأن حالتي كانت جنونية، ولكن ذكرى الجنون غير الجنون نفسه. كنت محموم الفكر، بركاني القلب، ساهر الليل. ورفعني العذاب إلى الشعر، وسحت من عيني دموع، وتوثقت أسبابي بالسماء. ولكن كل أولئك ذكريات محنطة، وها أنا اليوم أكافح للتملص من المواد الدهنية، ولا أرى في زينب العزيزة إلا تمثالا لوحدة الأسرة، والبناء، والعمل. وثق من أنه لا يهمني شيء؛ فليأخذوا العمارات الثلاث، والأموال السائلة. ولن أزعم أنني أستهين بذلك بتأثير من المبادئ التي أوشكت يوما أن تقذف بنا جميعا إلى السجن مع عثمان، فأيام الجهاد نفسها لم تعد إلا ذكريات محنطة، ولكنني لا أدري ماذا حل بي؟ أو ماذا غيرني؟ فأبشر يا عزيزي بأنني أتقدم نحو شفاء جسماني واضح، ولكني أقترب في الوقت نفسه من جنون طريف، والعقبى لك. - لا تنس أن تكتب له عن الدواء. - فعلت يا عزيزتي.
ما ألطفك يا بثينة! براعم صدرك تشهد للدنيا بحسن الذوق. ولعلي من جيل محافظ نوعا، فماذا أعدت أمك؟ من المحزن أنك لم تعرفي من الدنيا شيئا، وأنني صنتك كالكنار؛ فلم تتجاوزي سيارة المدرسة. وهذه النظرة الحالمة ماذا وراءها؟ ألم تضني علي بحلم رغم الصراحة التي تبارك أحاديثنا؟! وكيف تؤثر فيك رائحة الأبدان العارية والغزل المتطاير بين الأمواج؟ يا إلهي، ادفع المجتمع إلى مجاراة أفكارها وفعالها حتى لا تتعرض لسوء. وقال لها، وهي تمد ساقيها العاريتين تحت مقعده المغروس في الرمل: لم نهنأ ببعضنا هكذا من قبل. - الحق عليك. - لم أبق في المكتب طيلة العمر إلا من أجلكم.
فانطرحت على كوعيها معرضة بطنها وصدرها للشمس المتألقة في سماء صافية، على حين تهادت فوق منحنى الخليج سحابة بيضاء وحيدة. وقالت الأم، دون أن ترفع رأسها عن الكانفاه: قولي له إن صحته اليوم أهم من أي شيء. - حتى من تأميم العمارات؟
अज्ञात पृष्ठ