قال ابن حجر في فتاويه الحديثية على قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين " قالوا يا رسول الله ولم ؟ قال: "لا ترائي الناران " (حديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقبلهم أبو بكر بن أبي شيبة بأسانيد إلى قيس بن حازم التابعي الكبير) فمنهم من أرسله ومنهم من أسنده قال البخاري والمرسل أصح .. ومعنى الحديث أنه يلزم المسلم أن يبعد منزله عن منازل المشركين - أي: الحربين - ولا ينزل بموضع إذا أوقدت فيه نار، تلوح وتظهر النار التي يوقدونها في منزلهم، لأن النارين متى تراءتا كان معدودا منهم، وقد تقرر أن الهجرة واجبة من دار الحرب بشروطها. وإسناد الترائي إلى النارين مجاز، من قولهم داري ينظر إلى دار فلان، أي يقابلها وسئل ابن حجر- نفعنا الله به - عن قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين " قالوا: لم قال لا ترائى ناراهما ؟ فأجاب بقوله: "هذا تعليل للأراءه فحذف لام التعليل، ووجه المناسبة بين العلة والمعلول أن في إقامته بينهم تكثير سوادهم وأنهم لو قصدهم جيش غزاة ربما منعهم رؤية نيران المسلمين مع نيرانهم، فإن العرب كانوا عند مقابلة الجيوش يعرفون كثرتها برؤية النيران كما وقع ذلك في إرسالهم لرؤية جيشه صلى الله عليه وسلم بمر الظهران عند قصده مكة لفتحها، فلما كان في إقامة المسلمين بين أظهر المشركين هذا المحذور العظيم، وهو منع المسلمين من غزوهم أو عدم إدخال مرعب عليهم بريء من المقيم بين أظهرهم لكونه سببا لعدم جهادهم .. انتهى.
पृष्ठ 4