يا فتاح
الحمد لله الذي أعز دين الإسلام، وحماه بالبيض اللدان، والسمر الخزام ، وقوى أركانه بالشريعة البيضاء ليلها كنهارها، وجلى وجوه سننها بجلى منابرها، وأذل الشرق وأهده، وجدع أنف الطغيان وجهله، وقمع طاغوت الطاغي المغرور، وهدم أحكام بنيانه والزور، وضعضع أمر زخارفه الباطلة العاطلة، { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد:20] .
أحمده إذ أنقذنا من الضلال، وجعلنا من أتباع نبيه الناسخ لشرائع من سلف من الرسل في العصور الخوال، اللهم صل وسلم على هذا النبي العظيم، والرسول الكريم، الذي جعلت دينه ظاهرا على جميع الأديان، وهو الدين الأقوم الذي هو دين الملك الديان، وعلى آله وأصحابه الذين أذاقوا الأعداء كؤوس الردا .
اللهم انصر المسلمين ووفقهم للصواب
قاتلوا أعداء الله إن الجنة تحت ظلال السيوف
ومذ جردوا بيض سيوف النصرة ما غمدوها إلا إلى الهدى وعلى التابعين لهم بإحسان إلى انقضاء الدوران، أما بعد:
فقد وردت علينا مسائل شريفة عزيزة، من سائل أشرب قلبه حب الدين، وتمكن قي مودته أي تمكين، وكانت الأسئلة واقعة عظيمة، بلي فيها بعض طوائف هذه الأمة الفخيمة بمجاورة الطوائف الكفرية، فرقت أديانهم التي هي بكل خير حرية، فحق الجواب عن هذه الأسئلة بمحض السنة والكتاب، وإمحاض النصح بالدين الحق الذي هو فصل الخطاب.
السؤال الأول:
قال السائل - رعاه الله وحرسه - :
पृष्ठ 1
ما قولكم رضي الله عنكم في بلد من بلدان المسلمين ملكها حربيون من النصارى أو غيرهم ، فما تقولون فيمن ينتقل إليها من المسلمين ويستوطنونها ويرضون بأحكامها المخالفة للشريعة - أي شريعة الإسلام - ويحبون تلك البلاد يما يكتسبونه في جلب البضائع إليها ، ويبنون فيها البنيان كبلادهم ..
فما تقولون في فعلهم ذلك، وفي إيمانهم معاشر العلماء الأعلام.
جواب السؤال الأول:
الجواب : هذا السؤال قد احتوى على أحكام.
أحدها: حكم البلد التي استولى عليها الكفار من بلاد الإسلام ، وقد حقق المحقق ابن حجر في التحفة وغيرها أنها باقية على حكمها دار إسلام، وإن كانت دار حرب صورة، فهي دار إسلام حكما، لقوله صلى الله عليه وسلم : "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه "، ولقوله تعالى : {إن الأرض لله يورثها من يشاء} [الأعراف: 128] ، وإذا كانت دار إسلام كان على أهل الإسلام فرضا وحتما استنقاذها من أيدي الكفرة بمناضدتهم ومحاصرتهم والتضييق عليهم بكل ممكن .
पृष्ठ 2
ثانيها: حكم من ينتقل إلى هذه البلدة الموجودة التي استولى عليها أهل الذمة، فهو عاص فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الإثم إن لم يرض بالكفر وأحكامه، فإن رضي بها فهو كافر مرتد تجري عليه أحكام المرتد .. وليتأمل؛ أنه ما الحامل لهذا المسلم على النقلة من دار الإسلام الخالية عن الكفار إلى الدار التي أخذها الكفار وأظهروا فيها كفرهم وقهروا من فيها بأحكامهم الطاغوتية الكفرية، إلا الزيغ والعياذ بالله تعالى وحب الدنيا، التي هي رأس كل خطيئة، وجمع حطامها من غير مبالاة بحفظ الدين، وعدم الأنفة من إهانة أهل التوحيد ومحبة جوار أعداء الله على جوار أوليائه، والله يقول : {قلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام: 68] ، ويقول : {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} [النساء: 140] ، فليتأمل قوله عز وجل : {إنكم إذا مثلهم} ، وهذا حكم من بقي بمجاورتهم أصالة فما بالك بحكم من تكلف النقلة لجوارهم، فكيف يشك في ضلاله وفساد دينه والعياذ بالله تعالى.
पृष्ठ 3
قال ابن حجر في فتاويه الحديثية على قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين " قالوا يا رسول الله ولم ؟ قال: "لا ترائي الناران " (حديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقبلهم أبو بكر بن أبي شيبة بأسانيد إلى قيس بن حازم التابعي الكبير) فمنهم من أرسله ومنهم من أسنده قال البخاري والمرسل أصح .. ومعنى الحديث أنه يلزم المسلم أن يبعد منزله عن منازل المشركين - أي: الحربين - ولا ينزل بموضع إذا أوقدت فيه نار، تلوح وتظهر النار التي يوقدونها في منزلهم، لأن النارين متى تراءتا كان معدودا منهم، وقد تقرر أن الهجرة واجبة من دار الحرب بشروطها. وإسناد الترائي إلى النارين مجاز، من قولهم داري ينظر إلى دار فلان، أي يقابلها وسئل ابن حجر- نفعنا الله به - عن قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين " قالوا: لم قال لا ترائى ناراهما ؟ فأجاب بقوله: "هذا تعليل للأراءه فحذف لام التعليل، ووجه المناسبة بين العلة والمعلول أن في إقامته بينهم تكثير سوادهم وأنهم لو قصدهم جيش غزاة ربما منعهم رؤية نيران المسلمين مع نيرانهم، فإن العرب كانوا عند مقابلة الجيوش يعرفون كثرتها برؤية النيران كما وقع ذلك في إرسالهم لرؤية جيشه صلى الله عليه وسلم بمر الظهران عند قصده مكة لفتحها، فلما كان في إقامة المسلمين بين أظهر المشركين هذا المحذور العظيم، وهو منع المسلمين من غزوهم أو عدم إدخال مرعب عليهم بريء من المقيم بين أظهرهم لكونه سببا لعدم جهادهم .. انتهى.
पृष्ठ 4
ثالثا: حكم جباية الأموال إلى هذه البلدة وإحيائها وتشييد البنيان فيها، فهل هذا إلا ضلال مبين وفساد كبير ورضى بأفعال المشركين، فإن الواجب المقرر المعتبر شرعا في مثل هذه البلدة المأخوذة مقاومة الكفار من أهل البلد، ومن كان على دون مسافة القصر منها، ومن كان فوقها يلزمه الموافقة لأهل ذلك المحل بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها، ومن دون مسافة القصر، هذا حكم مثل هذه البلدة، وعبارة المنهاج، مع شرحه التحفة . الثاني من حال الكفار، يدخلون بلدة لنا كان خطبا عظيما فيلزم أهلها الدفع بالممكن من أي شيء أطاقوه، فإن أمكن تأهب للقتال وجب الممكن حتى على فقير، وولد، وعبد، ومدين، وامرأة فيها قوة، وإن لم يمكن قتال فمن قصد منا دفع عن نفسه بالممكن، ومن هو دون مسافة القصر إلى البلد وإن لم يكن من أهل الجهاد، كأهلها في تعيين وجوب القتال ، ومن على المسافة المذكورة فما فوقها يلزمهم إن وجدوا زادا وسلاحا ومركوبا الموافقة بقدر الكفاية، إن لم يكف أهلها. ومن يليهم دفعا عنهم وإنقاذا ... انتهى .
فإذا كان الواجب في حق المسلمين هو المقاومة للكفار المذكورين وإنقاذ من فيها من المسلمين وإخراجهم منها بالمحاربة والمحاصرة والمضايقة الشديدة كما أمر الله في كتابه بقوله عز من قائل : {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } [التوبة : 5] الآية، وهي في الكفار الذين ببلدهم ، فما حكم من أخذوا بلدتنا وكسروا بيضتنا واستباحوا حرمتنا إلا ذلك بل أهم منه بالأحق الأوجب الأحرى .. فمن شد الرحال، وزم السفن والأحمال إلى هذه الدار وحمل إليها الأمتعة والأبزار وأحيا أسواقها بالبيوعات، وشوارعها بالروحات والغدوات، وعمر فيها البنيان، وشيد فيها العمران، فقد خالف الشريعة المحمدية، ونبذ العهود الإلهية، ورضي بأحكام الجاهلية. { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } [آل عمران: 83] .
पृष्ठ 5
هذا وظاهر النصوص القرآنية التي هي الدلائل اليقينية: عدم إيمان من يوالي الكفار، ويتولاهم في أموره من دون المسلمين، الذين هم للدين أنصار وهو المسؤول عنه الذي ترك دار الإسلام الخالية عن الكفار، ورحل إلى دار استولى عليها الكفر وأربابه، قال تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم .. } [المجادلة: 22] الآية، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } [الممتحنة: 1] الآية، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم .. } [المائدة :51] الآية، وقال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} [المائدة: 55] الآية، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 57] الآية.
पृष्ठ 6
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة المفصحة بعدم الإيمان ممن ذكر، ممن يواد الكفار، وفسقه، والمناداة عليه بأنه منهم، وهل بعد بيان الله تعالى بيان، أو بعد حكمه حكم ؟! قال تعالى: { ومن أحسن من الله حكما} [المائدة: 50] الآية، وما كانت موادة سيدنا حاطب بن أبي بلتعة الذي نزلت فيه الممتحنة إلا الكتاب الذي كتب به إلى أهل مكة يخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يفعل ذلك ارتدادا ولا رضاء بالكفر بعد الإسلام ، وهو بدري باتفاق، وقد نزل فيه ما سمع، وعلل سبحانه الزجر عن موالاتهم بكونهم كفروا بما جاءنا من الحق .. وهل كفر فوق كفر الإفرنج ؟ وقد سئل ابن سيرين عن رجل يبيع داره من نصراني يتخذها بيعة فتلى : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة: 51] الآية، فكيف حكم من يتولاهم بجلب الميرة والبضائع والأموال التي تقويهم وتشد شوكتهم على الإسلام، ومن يذل لعزتهم ويتضعضع لصولتهم ويخضع لأحكامهم فأنى له بعد ذلك التسمي بعنوان الإيمان والإسلام وقد استسلم لأحكام الكفر {أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} [النساء: 139] ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم} [آل عمران: 118] الآية، فالبطانة الدخلاء، والأخلاء، تصدق على اتخاذهم كتابا، وبوابين، وحسابين، ومؤمنين .. إلى غير ذلك من أصناف البطانة، علل سبحانه النهي عن ذلك بأنهم يحبون مشقتنا، وقد ظهرت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، فلا يعزون بعد إذ أهانهم الله، ولا يقربون بعد إذ أبعدهم الله، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إذ حاصل القرآن مقاطعة الكفار من جميع الوجوه، ومباينتهم في كافة الأحوال، فلا مواصلة بيننا وبينهم قط والله أعلم.
السؤال الثاني:
पृष्ठ 7
قال السائل: وكذلك قوم في بلاد الإسلام من المسلمين، يدعون بأنهم من رعية النصارى، ويرضون بذلك، ويفرحون به، فما تقولون في إيمانهم، ومن الجملة أنهم يتخذون لسفنهم بيارق ، وهي تسمى الرايات، مثل رايات النصارى، إعلاما منهم بأنهم من رعيتهم.
جواب السؤال الثاني:
الجواب والله سبحانه وتعالى المسؤول أن يحفظ علينا دين الإسلام، أن هؤلاء قوم قد أشربوا حب النصارى في قلوبهم، واستحضروا عظمة ملكهم، وصولتهم، ولاحظوا توفر الدنيا بأيديهم، التي هي حظهم من الدنيا والآخرة، وقصروا نظرهم إلى عمارة الدنيا، وجمعها، وأن النصارى أقوم لحفظها، ورعايتها، فإن كان القوم المذكورون جهالا يعتقدون رفعة دين الإسلام، وعلوه على جميع الأديان وأن أحكامه أقوم الأحكام، وليس في قلوبهم مع ذلك تعظيم الكفر، وأربابه، فهم باقون على أحكام الإسلام، لكنهم فساق مرتكبون لخطب كبير يجب تعزيرهم عليه وتأديبهم وتنكيلهم .. وإن كانوا علماء بأحكام الإسلام، ومع ذلك صدر عنهم ما ذكر، فيستتابوا، فإن رجعوا عن ذلك وتابوا إلى الله تعالى، وإلا فهم مارقون، فإن اعتقدوا تعظيم الكفر ارتدوا، وجرى عليهم أحكام المرتدين .. وظاهر الآيات والأحاديث عدم إيمان المذكورين، قال تعالى : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257]، فالآية تقتضي أن الناس قسمان: الذين آمنوا وليهم الله تعالى، أي لا غيره فليس لهم مولى دون الله، ورسوله . الله مولانا ولا مولى لكم، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت، فلا واسطة، فمن اتخذ الطاغوت وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا، وارتكب خطأ جسيما، فليس إلا ولي الله أو ولي الطاغوت، فلا شركة بوجه من الوجوه البتة، كما تقتضيه الآية.. وقال تعالى : {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء:65] .
पृष्ठ 8
وقد حكم الله أن لا نتولى الكفار بوجه قط، فمن خالف لما يحكم فأنى يكون له إيمان وقد نفى الله إيمانه، وأكد النفي بأبلغ الوجوه والإقسام على ذلك فاستفده ..
وقد أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، والطبراني في الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه: "من تشبه بقوم فهو منهم" فالحديث زاجر عن التشبه بالكفار، من نصب البيارق وغيره من وجوه التشبه كهيئة اللباس، والمشي، والحركات، والسكنات، فقد خالف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وأمر بمخالفتهم في جميع ما يفعلونه، وكذلك المجوس والنصارى، في شعارهم، ولباسهم، وأعيادهم، وصومهم، وجميع أحوالهم مغايرة لهم وإغاظة ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تستضيئوا بنار المشركين" ، وورد عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه النهي عن مساكنتهم، وتعلم كتابتهم، والدخول معهم في أعيادهم، ومجامعهم، وتعلم رطانتهم، إلى غير ذلك .. فمن تشبه بهم محبة لهم ورضي بكفرهم فهو كافر، ومن يفعل ذلك غافلا عن هذا القصد فقد شابههم في أمورهم الجاهلية وفيه خصلة من خصالهم، يلزمه التوبة منها بالشرط المقرر للتوبة في محله . قال ابن تيمية : (( حديث من تشبه بقوم فهو منهم أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه، كما في قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة:51] ، وهو نظير قول ابن عمر: "من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم أو تشبه بهم حتى يموت حشر يوم القيامة معهم"، فقد حمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يقتضي الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعار لها كان حكمه كذلك. )) انتهى.
السؤال الثالث:
قال السائل: وما قولكم فيمن يمدحهم ويقول أنهم أهل عدل، ويحبون العدل، ومع هذا يكثر مدحهم في المجالس ويهين ذكر السلطان للمسلمين، وينسب إلى الكفار العدل، وعدم الظلم.
جواب السؤال الثالث:
पृष्ठ 9
الجواب: أما حكم من يمدحهم فهو فاسق، عاص مرتكب لكبيرة، يجب عليه التوبة منها، والندم عليها، هذا إذا كان مدحه لذات الكفار من غير ملاحظة صفة الكفر التي فيهم، فإن مدحهم من حيث صفة الكفر فهو كافر، كأنه مدح الكفر الذي ذمته جميع الشرائع، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مدح المسلم بما لا يعلم المرء فقال عليه الصلاة والسلام، وقد سمع قوما يمدحون شخصا: "لقد قطعتم عنق الرجل- أي أهلكتموه - " . أما مدح العدل بما فيه تزكية له عند حاكم أو تعريفا بشأنه فهو جائز بل قد يجب، ومدح المسلم الفاسق معصية لحديث: "إذا مدح الظالم غضب الله عز وجل " ، فإذا كان ذلك في الظلم الأصغر فما بالك بالظلم الأكبر، وفي حديث أخرجه أبو يعلى والبيهقي عن أنس وابن عدي عن بريدة "إذا مدح الفاسق غضب الرب واهتز لذلك العرش " .. وحاصله أن مدح الكفار لكفرهم ارتداد عن الإسلام، ومدحهم مجردا عن هذا القصد كبيرة يعزر مرتكبها بما يكون زاجرا له، وأما من يقول أنهم أهل عدل، فإن أراد أن الأمور الكفرية التي منها أحكامهم القانونية عدل فقد كفر، والله سبحانه وتعالى قد ذمها، وشنع عليها، وسماها عتوا، وعنادا، وطغيانا، وإفكا وإثما مبينا، وخسرانا مبينا، وبهتانا، والعدل إنما هو شريعة الله التي حواها كتابه، وسنة نبيه، فإن الله يأمر بالعدل . فلو كانت أحكام النصارى عدلا لكانت مأمورا بها، ولزم على ذلك التناقض والتدافع في الرد على النصارى، قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 55] ، فالله عز وجل حكمه هو العدل الحسن لا غيره، فأنى يكون لحكم النصارى لأن كل عدل فهو حسن ..
पृष्ठ 10
فقد بطلت دعوى المذكورين، وقال تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} [المائدة: 60] ، فهؤلاء سموا ما أمرهم الله تعالى بالكفر به عدلا، فقد غالبوا في ضلالهم، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإن أراد العدل المجازي، الذي هو عمارة الدنيا بترك الظلم الذي يخرب الدنيا، فلا يلزم منه الكفر، لكنه يزجر عن ذلك الزجر البليغ، وأما ما يروى عنه عليه السلام: "ولدت في دولة العادل أنو شروان " فقد أراد عليه السلام العدل المجازي لاسيما والملك المذكور كان في زمن الفترة كما هو معلوم على أن الحديث المذكور لا أصل له كما ذكره ابن حجر في النعمة الكبرى، قال: وإطلاق العادل عليه بفرض وروده لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به، لا للشهادة له بذلك، فإنه كان يحكم بغير حكم الله.
قال السخاوي : الحديث المذكور موضوع ولو صح لم يكن في وصفه بالعدل بأس فإنه كان لا يجور على رعيته ولا يظلمهم في حقوق الدنيا، فعدله بالنسبة لذلك لا ينافي كفره وظلمه لنفسه بجهله، والله أعلم. انتهى.
पृष्ठ 11
وأما من يهين السلطان فيكفيه واعظا وزاجرا حديث: "إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض " (أخرجه البيهقي عن أنس)، وحديث "السلطان ظل الله في أرضه فمن أكرمه أكرمه الله ومن أهانه أهانه الله " (أخرجه الطبراني والبيهقي عن أبي بكرة)، وحديث "السلطان ظل الله في الأرض، يأوى إليه كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر، وإن جار أو حاف كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر" (أخرجه الحكيم والبزار عن ابن عمر)، وحديث: "السلطان ظل الله في الأرض، يأوى إليه الضعيف، وبه ينتصر المظلوم، ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة" (أخرجه البخاري عن أبي هريرة) ، إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار الكثيرة في فضائل السلطان ومحبته والنهي عن الوقيعة فيه، وقد أفردت لذلك تآليف، فمن أهان السلطان ورفع قدر الكفر وأربابه، أهانه الله {ومن يهن الله فما له من مكرم} [الحج: 18]، فإن أهان السلطان من حيث رعاية الإسلام، ومدح النصارى من حيث رعاية الكفر، كفر، وصار مرتدا، وإن مدح من حيث الرعاية الدنيوية وضبطها وحماية الرعية عن المظالم وبذل الأموال من حيث إقامة الناموس الدنيوي وعزة الرعوي، فنسب السلطان إلى القصور والنصارى إلى القيام بذلك كان المادح المذكور ممن غلب عليه حب العاجلة على الآجلة، وأشرب قلبه حب الحطام، وبعد مرماه عن مراعاة سمة الإسلام، فهو بدنياه مغرور، وبحب العاجلة مفتون {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى :20] ، فالمغرور المذكور ما درى من جهله، وغباوته، وبلادته، وحماقته، أن حفظ الدنيا الذي حصل برعاية النصارى فوت عليه أضعافا مضاعفة من دينه، بل ربما جره إلى انطماس الدين بالكلية، فإنه لمخالطة الكفار المذكورين عميت عليه معاملاتهم وغوايتهم الضلالية فارتكب الربا، ورأى الخمر، والخنزير، وسمع ثالث ثلاثة، وتكاسل عن الصلوات بحكم الوفاق، ورأى الزنا، وسمع الخنا، واستمر على ذلك حتى صار له مألوفا لا يستنكره البتة ، وربما مع طول التمادي اعتقد حله لغلبة الجهل، فقد حرم دينه من حيث حصل دنياه، فالدنيا والآخرة ضرتان، والسلطان ظل الله في أرضه، فعلى كل حال هو مشكور، ومتروك، والله سبحانه يؤيد به الدين، ولو كان فاجرا ففجوره على نفسه، وأما سلطان الوقت فهو بحمد الله، غيظ الكفار، نصره الملك الجبار، آمين .
وفي الروضة النووية في باب الردة ما لفظه: ( ولو قال معلم الصبيان، اليهود خير من المسلمين بكثير، لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم كفر ) .. انتهى.
السؤال الرابع:
قال السائل: وما قولكم فيمن حمل بضاعة، أو طعاما إلى بلاد النصارى، واعترض عليه مسلم، أو نهاه، ولم ينته.. إن قتله، أو نهب ماله، هل دمه مهدر، وماله حلال، أم لا؟ ونية القاتل خراب ديار الكفار، ونية المقتول إحياؤها، بما يؤدي إليها، وما حكم هذا المعتدي إذا قتل، أشهيد أم لا ؟! وما حكم من يعينهم على ذلك من المسلمين.
جواب السؤال الرابع:
الجواب: لا تخلو بلد النصارى إما أن تكون أصلية بأيديهم كأرض الشام والعراق التي كانت بأيدي الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا خفاء في جواز حمل البضائع من الأطعمة وغيرها إليها، وجواز التجارة في بلدانهم وجواز معاملاتهم لأن ذلك من ضروريات المعاش، والحاجة تدعو إليه، فجوزه الشارع للحاجة، فقد كانت الصحابة رضي الله عنهم يدخلون أرض الشرك للمعاملة، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مضاربا لخديجة رضي الله عنها، فمثل ذلك لا ينكر على فاعله، ولا يعترض عليه البتة ، ومن لقيه في الطريق فهو محارب قاطع طريق، تجري عليه أحكام الطريق، والمقتول إن كان هو القاطع فهدر، إن دفع بالأخف فالأخف، وإن كان سالك السبيل، فهو مظلوم، شهيد شهادة صغرى لحديث "من قتل دون ماله فهو شهيد" .
पृष्ठ 13
وأما أن تكون دار إسلام استولى عليها الكفار، ووجب علينا مقاومتهم واستنقاذها من أيديهم فحامل البضائع والميرة إليهم عاص لله ورسوله مرتكب كبيرة، فيزجر عن ذلك، فإن لم ينزجر عزره الحاكم فمن له ولاية من المسلمين، ولو بحبسه، ومنعه عن السير إليها، فإن لم يمتنع جاز رد حمله من الطريق محاصرة للكفار، وهو باق على ملك صاحبه، ولا يجوز قتله بل يدافع عن ذلك بالأحسن الذي لا يؤدي إلى مؤلم، ومن يعينه على ذلك فهو شريكه في الإثم سواء كانت إعانته بقول أو فعل لحديث "من أعان ظالما سلطه الله عليه " (أخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود) وحديث "من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله " (أخرجه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما).
السؤال الخامس:
قال السائل: وما قولكم في جهة ملكها الكفار وفيها مسلمون متوطنون بأموالهم وأولادهم أسكنوهم في بلادهم هذه التي قد ملكت جائز أم لا، وهل هم سالمون من الإثم مع أنهم غير راضين بذلك، وباغضون هؤلاء الكفار، ويرون قعودهم في بلادهم كالضرورة .. وكيف إيمانهم، هل هو إيمان كامل أو ناقص أو يتفاوت، ومع ذلك إذا عزم على قتالهم فلا يرون لهم جهدا .. وما قولكم فيهم، وفي من يحبهم من هؤلاء ومن يبغضهم، ومن يمتثل أمرهم، وهم عالمون أن حكمهم مخالف لشريعة الإسلام، وما حكم المتوطن بها، إذا حكم عليه بغير الشريعة الإسلامية بل بقانون الكفر؟ هل يمتثل ويرضى ويسكن أو يعصي ويهاجر؟
جواب السؤال الخامس:
पृष्ठ 14
الجواب: يعلم حكم ذلك مما نقصه عليك من كلام علمائنا رحمهم الله تعالى. قال في المنهاج وشرحه التحفة ما لفظه: "المسلم بدار كفر أي حرب ويظهر أن دار الإسلام التي استولوا عليها كذلك إن أمكنه إظهار دينه ولم يرج ظهور الإسلام، استحب له الهجرة إلى دار الإسلام لئلا يكثر سوادهم، وربما كادوه ولم تجب لقدرته على إظهار دينه، ولم تحرم، لأن من شأن المسلم بينهم القهر والغلبة لا العجز ومن ثم لو رجا ظهور الإسلام بمقامه ثم كان مقامه أفضل أو قدر على الامتناع والاعتزال ثم ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا لأن محله دار إسلام، فلو هاجر لصار دار حرب، ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم إلى الإسلام وجب وإلا فلا، والظاهر أنه يتعذر عود هذه الدار دار حرب - أي كفر - وإن استولوا عليه كما صرح به الخبر الصحيح "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " فقولهم لصار دار حرب المراد صيرورته كذلك صورة لا حكما ولا يمكنه إظهار دينه، أو خاف فتنة في دينه وجبت الهجرة إن أطاقها وأثم بالإقامة، فإن لم يطقها فمعذور، لقوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] الآية، وللخبر الصحيح "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار"... انتهى.
पृष्ठ 15
فقد تقرر أن أهل البلد المذكور إن أمكنهم إظهار دينهم وأمنوا الفتنة ولم يرجوا نصرة المسلمين استحب لهم الهجرة، وإن أمكنهم الاعتزال وإظهار الدين والذب عن أنفسهم وجب عليهم المقام، وإن لم يمكنهم إظهار دينهم أو خافوا فتنة في دينهم وجبت عليهم الهجرة إن أطاقوها، وهذا حاصل الكلام في أهل البلد المذكور، ويعلم منه إن وجبت عليه الهجرة أثم بالإقامة، ومن لم تجب عليه لا إثم عليه بالإقامة، ومن لا إثم عليه فإيمانه كامل إن أتى بأمور الإيمان، ومن أثم بالمقام فإيمانه ناقص وإن أتى بأمور الإيمان، ويعلم من ذلك أن التفاوت معلوم بحسب الحب والبغض القلبيين، والممتثل لأمرهم بغير إكراه ولا استضعاف عاص، ومن امتثل إكراها وقلبه كاره فهو غير آثم، فحكم الإكراه على ما دون الكفر، حكم الإكراه على الكفر، نعم من أكره وهو قادر على الهجرة عصى لأنه هو الذي أعانهم بالمقام بين أظهرهم والله أعلم، ومن حكم عليه بغير الشريعة المحمدية إن كان يلزم عليه تحليل حرام أو تحريم حلال شرعا فلا يجوز له قبوله، ولا امتثاله، وعليه رد ذلك وكراهته إلا إن يكره عليه بما يسمى إكراها شرعا، وإن حكم عليه بما يوافق الشريعة المحمدية قبل ضرورة وليس له أن يمتهن نفسه بتعريضها لأحكامهم وهو يقدر على الهجرة، وإلا كان في ذلك إذلالا للدين، والله يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] .
السؤال السادس:
قال السائل: وما قولكم في نفرين سمعا أن الهجرة إلى بلاد المسلمين والسكنى بها يتلفان المال، وأن السكنى في بلاد الكفار لا تتلف المال، إنما تتلف الدين .. فاختار أحدهما السفر إلى بلاد المسلمين وآثر التلف للمال على بقاء دينه، والثاني سافر إلى بلاد الكفار وآثر تلف الدين على المال، ما قولكم في إيمان هذين؟ وكيف إيمانهما؟ وهل يأثم من سمى هذا الشخص الذي سافر إلى بلاد الكفر منافقا؟
جواب السؤال السادس :
पृष्ठ 16
الجواب: قال تعالى : {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} [الإسراء: 18- 19]، فشتان بين من آثر الحياة الدنيا وزينتها فوصل إلى بلد الكفر لجمع حطامها ونصب أعلامها، ومن آثر الآخرة الباقية فصبر على لأوائه وشدته، قال الله عز وجل: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمئن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحج: 11]، نزلت في أناس من الأعراب كانوا يسلمون فينزلون دار الهجرة - المدينة المنورة - فإن وافق عام غيث ونتجت فرس أحدهم وولدت امرأته ذكرا قال هذا دين صالح ، وإلا انقلب على عقبه، وقال هذا دين سوء، أخرج البخاري في صحيحه قال : أسلم أعرابي وهاجر إلى المدينة فأصبح من الغد محموما فقال يا محمد أقلني بيعتي ، فأبى فقال صلى الله عليه وسلم : "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها" انتهى.
فمن أقام بأرض الإسلام فقد أصاب، ومن هاجر إلى بلد الكفر فقد باء بغضب من الله وتحريم هجرته إليها وفساد طويته بالاعتقاد السيئ الذي شابه اعتقاد الكفار الأولين الذين {قالوا إنا تطيرنا بكم} [يس:18]، {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائهم عند الله} [الأعراف:131] ، وتسمية المذكور منافقا إن كان المراد به النفاق العملي بقصد الزجر والتغليظ فلا بأس به، فقد قال عمر بن الخطاب في حاطب رضي الله عنهما: أنه منافق قد خان الله ورسوله، وإن أراد به النفاق الاعتقادي حرم، إذ لا يطلع عليه إلا الله تعالى فيحرم ذلك فهل شق هذا القائل عن قلبه، والله أعلم.
السؤال السابع:
قال السائل: وما تقولون إذ حضرت جنازتان إحداهما جنازة رجل ممن يدعي أنه من رعية النصارى والأخرى من رعية ملوك الإسلام وكلاهما مسلم أيهما تقدم الصلاة عليه ؟!
جواب السؤال السابع:
पृष्ठ 17
الجواب: يقدم بالصلاة رعوي ملوك الإسلام على رعوي ملوك الكفر، لأن الأول أفضل وأعدل، وهو معلوم ويقدم على رعوي النصارى وإن كان فقيها، ورعوي الإسلام غير فقيه، لأن الفقه لم يرشده إلى الحق، ومن ازداد علما ولم يزدد تقوى لم يزدد من الله إلا بعدا . نعم، لو فرض أن رعوي الكفار كان مكرها مستضعفا لا قدرة له على الهجرة كان مكافئا لرعوي المسلمين وهو ظاهر والله أعلم.
السؤال الثامن:
قال السائل: وما قولكم في من خوصم وطلب حكم الشريعة وحكمت عليه الشريعة، وقال الآخر: أنا من رعية النصارى وأريد حكم النصارى، فما تقولون ماله حلال؟ وهل هو مرتد؟ أم لا؟
جواب السؤال الثامن:
पृष्ठ 18
الجواب: إن قال رعوي النصارى ذلك كارها لحكم الشريعة مستحلا حكم النصرانية كفر، وصار مرتدا تجري عليه أحكام الردة المقررة في بابها، وإن قال ذلك من غير قصد، ولا استحلال، كان فاسقا يجب تعزيره بما يراه حكم الشريعة المطهرة، وعلى الأول حمل قوله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]، أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما ، فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نعم انطلقا إلى عمر" فلما أتيا عمر قال الرجل: يا ابن الخطاب، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال ردنا إلى عمر، فردنا إليك ، فقال : أكذاك ؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملا على سيفه، فضرب الذي قال ردنا على عمر فقتله، وأدبر الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسوله الله قتل عمر صاحبي، ولو ما أني أعجزت لقتلني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل المؤمنين " فأنزل الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون ..} [النساء: 65] الآية، فهدر دم ذلك الرجل وبريء عمر من دمه .. انتهى . وله شواهد أخرجها زحيم في تفسيره والحكيم الترمذي في نوادره ..
पृष्ठ 19
وقال تعالى : {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} [النساء:60]، أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال : كان أبو برزة الأسلمي كاهنا فقضى بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين، فأنزل الله عز وجل: {ألم تر إلى الذين يزعمون ... } الآية، وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس كان الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشير يدعون الإسلام ، فدعاهم رجال من قومهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فأنزل الله عز وجل الآية، ولهذه الأحاديث شواهد أخرجها ابن جرير وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم والثعلبي عن ابن عباس استوفاها في الدر المنثور للسيوطي رحمه الله تعالى . قلت : ولا ريب أن هذا القائل الذي قال أريد حكم النصارى قد زاغ وعرض نفسه للوقيعة فيه وشابه المنافقين الذي قال الله في حقهم: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء:61] . أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: تنازع رجل من المنافقين ورجل من اليهود فقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف وقال اليهودي: اذهب بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله الآية .
पृष्ठ 20
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بينهما خصومة أحدهما مؤمن والآخر منافق فدعاه المؤمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف فأنزل الله عز وجل: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} فقد قضت الآية الكريمة بأن الصاد - أي المعرض - عن الشريعة المحمدية استحق عنوان النفاق والتسمي به لفعله ما يخالف المؤمنين المسلمين من الانقياد والإذعان بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فى جميع ما جاء به خاتمه ختم الله لنا بالإيمان بمنه وكرمه وجوده آمين .
في فتاوى السيد العلامة (خاتمة) المحققين والمتحققين والمتخلقين بزبيد عبدالرحمن بن سليمان مقبول الأهدل رحمه الله تعالى ما لفظه:
اعلم أن ما يتعارفه بعض القبائل من جهة الحجاز من الأعراف المخالفة للشرع، وكذا ما يتعارفه على ذلك الوجه غيرهم من القبائل قد تكلم فيه أئمة الإسلام وهداة الأنام وقد رفع في ذلك سؤال إلى مفتي عصره في الديار اليمنية الولي العلامة يوسف بن يوسف المقري والمنشئ له العلامة تقي الدين الفتي محشي الروض وقد صحح هو وجماعة كثيرون من علماء زبيد على جواب المقري المذكور، منهم الفخر الناشري والجمال القماط والجمال الزيلعي، ومن علماء الجبال الجمال النهاري مؤلف الكفاية وغيره.
पृष्ठ 21