وهذا سوقي يضع إحدى عينيه على فم جاره والأخرى على عينيه. ثم يغلّ يديه ورجليه. ويقول له اليوم يجب عليك أن تتنحس. لأن شيخ السوق أصبح متخمًا يشكو وجعًا في معدته وأمعائه وأضراسه وهو نحس. فينبغي أن نجانسه ونمسك معه. لا يحل لك لليوم أن تنظر. لأن الشيخ المشار إليه أضربه طوال السهر البارحة مع ندمائه ونديماته فغدا وبإحدى عينيه الكريمتين رمد أو عمش. لا يحل لك اليوم أن تعمل بيديك. ولا أن تحرك رجليك. ولا أن تسمع بأذنيك. أو تستنشق بمنخريك لأن السوق اليوم لم تقم والبياعات لم تنفق. ثم هو إذا قيل له أفلا تصلح بين زيد وزوجته فقد خاصمته بالأمس بعد أن جاءت من حانوتك العالي وتماسكا بالشعور وحلفت المرأة لتمنينه بحيزبون أو لتشكونه إلى أحد أصحابك الضواطرة الكبار. أو أن عمرا قد حبس منذ يومين لكونه دان بعض الأمراء ولم يمكن له أن يحاكمه ويستوفي منه حقه. ففلّهُ القاضي وأركبه حمارًا في الأسواق ووجهه إلى دبه الحمار. أو أن فلانًا قد مرض ولزم فراشه لأنه ناقش بعض خدّام الأمير فنكل به الأمير ضربًا بالعصي على رجليه وصفعا بالنعال على القذال. فغدا لا حراك به وقد ورمت رجلاه وانتفخ قفاه. لم يكن منه إلا قوله ما دام السوق وشيخه سالمين فالدنيا كلها سالمة. والمصالح مستتبة والسوق مرفوعة وقائمة. والبطون ملئى والأفواه لاقمة. والأضراس خاضمة والمعد هاضمة والأيدي غانمة. والأفراح دائمة. والخيرات متراكمة. والرؤساء حارمة. والعناية عاصمة. والقادمات بالبذور متزاحمة. والوقوف شاملة عامة. وثغور الأماني باسمة. والسلامة خاتمة. إلى السوق. إلى السوق. فهو حرز العلوق. وذخر الحقوق. في الصندوق. في الصندوق. فهو أولى من الصبوح والغبوق. وقد طالما والله امتلأ هذا الصندوق ذهبًا وجواهر ثم افرغ على تهاتر وترهات ومباحث فارغة وأمور سخيفة. فقد بلغنا أن بعض ضواطرة السوق انفق في مدة ست سنين قضاها بالبحث والجدال على شكل قبعة كذا وكذا بدرة من المال. وتفصيل ذلك أنه نظر نفسه ذات يوم في المرآة وكان قد تعلم مبادئ الهندسة والهيئة. فرأى رأسه مدورًّا كالبطيخة فراق له أن يتخذ قبعة مدورة على هيئة رأسه. لأن المدور يلائم المدور كما تقرر في الأصول. فرآه بعض مزاميله من سوق آخر وكان اعظم منه قدرًا ووجاهة وأوفر علمًا. فسخر منه وقال له من وسوس إليك يا ابن قبعة، حتى لبست هذه القبعة. مع إن شكل رأسك مخروط. فقال له قد ضللت بل هو أكثر استدارة من رأسك كما يشهد لي بذلك شيخ السوق. قال كذبت بل هو مخروط وأن كنت كثير العنس إليه وإني أهدي من شيخك وأقوم طريقًا. قال كفرت وعميت عن معرفة نفسك فأنى لك أن تعرف غيرك. قال تبدعت بل أنت عمه كمه وقد حمقت وسفهت في عدم قبولك النصح. فاليوم ترى الناس المدور من المخروط. والسارط من المسروط. ثم لجّ بينهما العناد وتقابضا بالازياق والجيوب والإقلاع. ثم بالجمم ثم بالأعراض.
1 / 73