ثم قدر الله رب الموت والحياة أن مات بعض البلدان البعيدة بعض القسيسين الذين يباشرون خدمة الرعية. أي الذين يأكلون ويشربون في بيوت الناس لا في الدير. واللذين يختلطون برعيتهم خلافا لعادة الرهبان. فإن هؤلاء لا يخالطون الناس إلا عند الضرورة. فتسبب رئيس الدير في أن يبعثني إلى ذلك البلد في مكان القسيس المتوفى أي بدلًا منه لا أني دفنت معه. فلما وصلت تلقاني أهل كنيستي بالإكرام والترحيب. فأبديت فيهم الورع والعفة فشاع فضلي بينهم. حتى أن بعض التجار ممن كان حرمه الله من لذة البنين دعاني إلى منزله لأقيم عنده رجاء أن يفتح الله رحم امرأته بسببي كما تقول التوراة فتلد له البنين. وكانت جميلة رشيقة القد قاعدة النهد. تحب الخلاعة واللهو. والقصف والزهو. سبحان الله ما أحد يذكر النساء إلا ويهيج خاطره للسجع فأقمت عنده مدة في أنعم عيش وجدة. ثم عنّ لي أن أغازل زوجته وأناغيها. وأعاشرها وأراضيها. فأجابت إلى مراودتي. ولم تبال بأرنبتي. فإن من طبع النساء الميل إلى الوليّ. والاستغناء عنه بالقصي. وما أدراك ما اعتذرت به إحدى النساء بقولها قرب الوساد. وطول السواد. فبرزت الدنيا لعيني في أحسن صورة. ونسيت ما لاقيت في الدير من المشاق الكثيرة. وقلت لأعوضنّ عليّ ما دامت فرصة الحظ لي ممكنة. وشوارده مذعنة. كل ما فاتني منه أيام كنت حائكا. وطباخا وناسكا. ثم فرضت علي نفسي أنت قسم لذاتي معها على كل يوم غير مرة. كدأب المتزوج بحرة. وعلى الحاضر. وهو الآن أيضًا في حيز الغابر. بحسب البواعث والبوادر. فبدأت بالعدد. حتى بلغت الأمد. وكان الرجل ذا نية سليمة. وشيمة مستقيمة. فلم يكن يسيء بي الظن. ولا يعوقه عن شغله أمر عن. فترك لنا قطوف اللذات دانية. وكؤوس المسرات صافية. ومن العجب. الذي ينبغي أن يدون في الكتب. إنها كانت تخاصم الخادمة في حضرته وغيابه. وتشتمها بين يديه افحش الشتم منعا لارتيابه. ولم تخش منها تبعة. ولا كانت من طردها جزعة. وقد طردت كثيرًا من الخوادم لسبب ولغير سبب. بعد سبَّهن كل السب. وحملهن على الحقد والغضب. وذلك من معجزات النساء وبدعهن الغريب الذي يعمي الرجال عن كنه سره العجيب. والحاصل أنى كنت أعجب بحسنها. كما كنت أعجب من فنها. وأني أقمت معها على هذه الحالة في غاية السر. مفنقًا راتعا ولا حظر ومتزوجا ولا مهر. ثم استأنفت عددًا آخر. أطول من ذاك وأكثر. فلما أبطرتني النعمة. وأمنت من الدهر كل نقمة. نقر في رأسي أن أجمع بين الكافين. فإن بكثرة العين قرة العين. وقلما رأيت من انهمك في الأول. إلا وتعاطى الثاني وما أشبه من العقل. وذلك كالقمار والجبخ والفشخ والمجر والإمجار والندب والخطر والرشق والقرع والنجش والصبن والضغو والغذمرة والمحارضة والمناحبة والمراهنة والمجازفة والمحاقلة والمزابنة والاجباء والمداحلة والمعارضة والمنابذة والمبادة والمباخسة والمغابنة والموالسة والتدليس والتطويش والمقاطرة والمعاومة والمراوضة والمواصفة. فهطهبل وطهفل. ومحل وثطهمل. ودجل وزعفل. وابطل وتخبل. وعرقل وتبهلص وتبهلص وبهصل فاجتمعت برجل كنت اسمع عنه إنه يتعاطى هذه الصنعة. وقد تفرغ لها بجد وبذل فيها وسعه. وأوسع فيها بذله. وعقل بها عقله وفي الجملة والتفصيل. من دون قافية وسجع طويل. تعاطيتها معه انتهى سجع القسيس قال فجعلت انفق فيها ما اجمعه من العجائز والإغرار برسم النفوس والأرواح. وأنا مع ذلك مواظب على الصنعة الأولى. بل كان ذلك داعيًا لزيارة هيام كل مني ومن بزيعتي. فإنها طمعت ح في الهدايا والصلات كما هو دأب النساء في كل أمر يحدث لأزواجهن وعشاقهن. فبلغ خبر صنعتي هذه الحديثة للجاثليق. فأرسل يطلب مني المال الذي جمعته. فتعللت له بعلل أباها ولم يرضها. فتسبب في إحضاري إليه وضبط ما كان عندي من متاع وغيره. ولم يشق عليّ فقد ذلك كله قدر ما شقَّ عليَّ انقطاع العدد الذي كنت شرعت فيه في بيت التاجر الصالح.
1 / 48