ومثله أو أكثر منه في الصعوبة فن المعاني والبيان. فقال له التلميذ لم أسمع بذكر ذلك قط. قال أما أنا فقد سمعت به وأعرف كل ما يشتمل عليه. وهو المجاز والكناية والاستعارة والتورية والترصيع وغير ذلك مما ينيف على مائة نوع. وبيان ذلك مفصلا يستفرغ آجلًا. وربما قضى الإنسان عمره كله في علم الاستعارات وحدها. ثم يموت وهو جاهلها. أو يكون قد نسي في آخر الكتاب أو الكتب ما عرفه في أوله. وذلك أن من اخترع هذا العلم الجليل لم يكن سلطانا حتى يمكنه إجبار الناس جميعا على متابعته ومشايعته. بل يكون فقيرًا بهذا الشيء وشرح الله صدره لتقرير قواعد له فكان لا يقع بصره على شيء إلا وخطر بباله طريقة من طرقه. فإذا نظر الشمس مثلا طالعة قال كيف ينبغي أن يفهم هنا طلوع الشمس هل هو حقيقي أو مجازي وهل هنا عرفي أو لغوي. وكذا لو رأى البقل نابتا في زمن الربيع قال كيف تأويل قول القائل انبت الربيع البقل. فهل يصح إسناد ذلك إلى الربيع وهو إنما نشأ عن دوران الأرض حول الشمس فهو لاشك مسبب عنها. ولا ريب أن مدير الأرض إنما هو الله ﷿. فيكون قوله انبت الربيع البقل مجازًا بدرجتين. لأن الربيع مسبب عن دوران الأرض ودوران الأرض مسبب عن تقدير الباري تعالى. وكذا قولهم جرت السفينة أو الحجر. ومن المجاز ماله أيضًا ثلاث درجات ومنه ما له أربع. ومنه ما تفوق درجاته درج المئذنة. ومن هذا الدرج ما شكله قرقي ومنه حلزوني ومنه لولبي. ومنه غير ذلك ثم مازال المستنبط يفكر في هذه البدائع حتى أدركه الأجل فمات وبقي عليه أشياء كثيرة لم يحكمها. فقام من بعده من أولع مثله بهذا الفن فاستدرك على سلفه مواضع كثيرة. وظل يباحثه ويعارضه إلى أن قضى نحبه وقد ترك مجالًا لغيره. فجاء من بعده من اصلح بينهما في عدة مواطن وعاب على كل منهما أيضا أمورا. ثم مات ولم ينه ما قصده. فخلفه من صنع به ما صنعه هو بغيره.
وهكذا بقيت أبواب النقد مفتوحة إلى عصرنا هذا فمن قال إن هذه العبارة من الاستعارة التبعية. ومن قائل إنها من الترشيحية. قال بعض العلماء الاستعارة تنقسم إلى مصرح بها ومكني عنها. والمصرح بها تنقسم إلى قطعية واحتمالية. والقطعية تنقسم إلى تخييلية وتحقيقية. وتنقسم ثانيًا إلى أصلية وتبعية. وثالثا إلى مجردة ومرشحة. وقال بعضهم وهذه تنقسم أيضا إلى عقيونية ومكانية ونبيصية وطعطعية وغميسية ولعلمية ويلمعية وعسعاسية. والعقيونية تنقسم أيضًا إلى فرقعية وقرقعية ومقامقية. والفرقعية إلى جحلنجعية وشنطفية وعطروسية ودمحالية وشينقورية وكربرية. والقرقعية إلى خعخعية وعهعخية وعهخغية وكشعثيجية وكثعظجية. والمكائية إلى معوية وعنترية وصفرية وعصلية وبلكية وصفارية وضغيلية وطرطبية وانقاضية. إلى غير ذلك من التقسيم. ويشترط في خطبة الكتاب أن تكون جامعة لجميع هذه الأنواع. وأن يراعي فيها وفي الكتاب كله نوع الطباق. مثال ذلك إذ قال القائل في فقرة طلع. فلا بد أن يقول فيها أو في الثانية نزل. وإذا قال أكل يقول بعده من غير تراخ تقيأ أو- وفي الجملة فينبغي أن تكون الخطبة عويصة ما أمكن. وأية خطبة لم تكن كذلك كانت عنوانا على ركاكة الكتاب كله فلم يكن جديرا بالمطالعة.
1 / 34