وكان سانين لا يفتأ من حين إلى حين يختلس النظر إلى سارودين ويفكر فيما ينبغي له أيلطمه على وجهه أم لا يلطمه. ثم قال فجأة لما قاربا البيت: «نعم؟ إن في هذه الدنيا كل أنواع الأنذال؟»
فسأله سارودين ورفع حاجبيه: «ماذا تعني بهذا؟» - «إن الأمر كذلك - على العموم - والأنذال أعظم الناس فتنة وأخذا.»
فقال سارودين باسما: «أوتعني ما تقول؟» - «نعم هم كذلك، وليس أبعث على كرب النفس وضيق الصدر ممن يسمونهم الأعفة والفضلاء. ما هو الرجل الفاضل؟ إن كل امرئ يعرف برنامج العفة والفضيلة. وعلى هذا فليس فيه من جديد: ومثل هذه الفضلات العتيقة تسلب المرء كل شخصيته فيقضي حياته في حدود الفضيلة الضيقة المملة. لا تسرق، لا تكذب، ولا تغش، كلا ولا تزن، والمضحك في هذا الأمر أن كل من يولدون سواء! فكل امرئ يسرق ويكذب ويغش ويزني على قدر ما يستطيع.»
فقال سارودين محتجا نازعا إلى التعالي: «ليس كل أحد.» - «نعم. نعم كل إنسان! وما عليك إلا أن تفحص حياة المرء لتعرف ذنوبه. خذ الغدر مثلا. فبعد أن نؤدي ما لقيصر لقيصر ونئوي في سكون إلى فراشنا أو نجلس إلى المائدة نرتكب كل أصناف الغدر.»
فصاح سارودين وبه بعض الغضب: «ما هذا الذي تقول؟» - «إننا نفعل هذا على التحقيق. نؤدي الضرائب ونقضي مدة الخدمة في الجيش. نعم ولكن معنى هذا أننا نؤذي ملايين من الخلق بالحرب وبالظلم اللذين نمقتهما. ونذهب في سكون إلى الفراش، على حين ينبغي لنا أن نبادر إلى إنقاذ من يقضون نحبهم في هذه اللحظة لأجلنا وفي سبيل آرائنا. ونصيب من الطعام أكثر مما بنا حاجة إليه وندع غيرنا يموتون جوعا وكان واجبنا - ونحن رجال فضل وخير - أن نقف حياتنا كلها على خيرهم. وهكذا تجري الأمور والمسألة واضحة. أما النذل - النذل الحقيقي الصميم - فخلق آخر. فهو أولا مخلوق مخلص طبيعي الأحوال.» - «طبيعي؟» - «بلا شك! إنه لا يفعل سوى ما يفعله الرجل بطبيعته - يرى شيئا ليس له، شيئا تميل إليه نفسه، فيأخذه. ويرى امرأة حسناء لا تريد أن تبذل له نفسها فيعالجها بالقوة أو بالحيلة وهذا طبيعي جدا، إذ كانت الرغبة والغريزة التي تتطلب إرضاء النفس من المميزات القليلة بين الإنسان والحيوان. وكلما كان الحيوان أكثر حيوانية كان أقل فهما للذة وأضأل إدراكا لها وأعجز عن نيلها إذ كان لا يعنيه إلا سد حاجاته. ونحن متفقون على أن الإنسان لم يخلق ليتعذب وإن العذاب ليس قبلة المساعي الإنسانية.»
فقال سارودين: «بلا شك.» - «حسن جدا إن اللذة هي غاية الحياة الإنسانية. والفردوس كلمة مرادفة للتمتع المطلق. وكلنا يحلم بفردوس أرضي وليست أسطورة الفردوس بسخافة، وإنما هي رمز أو حلم.»
ومضى سانين في كلامه فقال بعد فترة: «نعم إن الطبيعة، ما أرادت قط أن يكون الإنسان زاهدا. وأعظم الناس إخلاصا وصدق سريرة هم أولئك الذين لا يكتمون رغباتهم، أي أولئك الذين يعدهم المجتمع أنذالا - أناسا مثل - مثلك مثلا.»
ففزع سارودين متراجعا مذهولا ومضى سانين في حديثة متظاهرا بأنه لم يلحظ ما بدر من صاحبه وقال: «نعم مثلك. أنت خير رجل في هذا العالم. أو على الأقل أنت تحسب أنك كذلك. قل لي هل صادفت قط من هو خير منك؟»
فقال سارودين مترددا: «نعم كثيرين.» ولم يكن في ذهنه أضأل فكرة عما يعني سانين ولا كان يعلم هل ينبغي له أن يتظاهر بالسرور أم بالسخط.
فقال سانين: «حسن. سمهم أسماءهم. تفضل.»
अज्ञात पृष्ठ