ثم تحول صلاح الدين نحو باب القاعة وسأل عن سيدة الملك، فقيل له إنها أفاقت، فدخل فرآها جالسة على وسادة وقد أطرقت خجلا، وبان التعب في محياها وذبلت عيناها، فتقدم نحوها وقال: «قد علمت أمرك، وسرني ما علمته من علاقة حبيبنا عماد الدين بك، واعلمي أني باذل أقصى جهد في تقصير مدة غيابه، ولا يكون إلا ما تريدين، وقد أوصيت صديقي بهاء الدين أن ينظر فيما كنا فيه، أستودعك الله.»
فوقفت لوداعه والخجل غالب عليها ولم تجب بلسانها، لكن عينيها أدتا واجب الشكر، على أنها لم تستطع السكوت عما يخالج فؤادها من الخوف على عماد الدين فقالت وصوتها يرتجف: «ولكنه في أعماق السجن يا مولاي.»
قال: «إنه سيأتي بإذن الله، وإذا ظل في السجن فإننا نفتح بيت المقدس لنخرجه منه، وإن في فتحه تعزيزا لدولة الإسلام. لا تخافي.» وابتسم ومشى مشية الأسد وهي تشيعه ببصرها وتزداد إعجابا بعلو همته، وكبر نفسه، ورأت انتقال السيادة إليه وذهاب دولة أخيها أمرا طبيعيا لا بد من وقوعه لما كانت تعلمه من ضعف نفوس رجال أخيها وفساد آرائهم وتنازعهم على التافه من الأمور شأن الدولة في أواخر عمرها.
وبعد خروج صلاح الدين تقدم بهاء الدين إليها فقال: «سأعود إليك بعد قليل ريثما ترتاحين كوني مطمئنة.» وضحك. •••
لم يبق هناك إلا سيدة الملك وياقوتة. ووجهها مشرق: «الحمد لله صدق ظني ونلت ما كنت أريده.»
فتنهدت سيدة الملك وقالت: «ما الذي نلناه وقد تبين لي من نص ذلك الكتاب أن عماد الدين في أعماق السجن عند الإفرنج وأنه مصمم على مهمة يظهر أنها غاية في الخطر، وأنه إذا لم يفز بها ظل هناك أو ...» وغصت بريقها.
فقالت: «ألا يكفي يا مولاتي أننا علمنا بوجوده حيا؟ وأن صلاح الدين عون لك في الوصول إليه؟ وسيقتص من ذلك الخائن؟ هيا بنا إلى الطعام واتكلي على الله.»
فنهضت وقد سري عنها وتناولت طعامها وحديثهما في أثناء ذلك عن المؤامرة وأبي الحسن. وبعد الطعام أتى قراقوش - وهو يدخل المكان بلا استئذان - وقال: «يا سيدة الملك، أهنئك برضا السلطان صلاح الدين فإنه أوصاني بك خيرا ... إنما ينبغي لنا أن نكشف عن مكان المؤامرة، فهل تعرفين عنه شيئا؟»
فأطرقت تفكر ثم قالت: «أنى لي ذلك وأنا لا أعرف شارعا من شوارع هذا البلد؛ لأني قضيت عمري محبوسة في القصور.»
فتصدت ياقوتة للكلام وقالت: «إن كشف هذا المخبأ علي.»
अज्ञात पृष्ठ