فلم يفهم الجليس مراده فقال: «وماذا جرى؟» وأشار إليه أن يتفضل بالدخول. فأظهر أنه أخطأ بذلك التصريح وأنه يريد الكتمان محافظة على كرامة أخت الخليفة فقال: «لم يجر شيء.» وجعل يبلع ريقه وهو يناول لجام البغلة إلى السائس ويمشي مع الجليس إلى قاعة الاستقبال.
فانطلت الحيلة على الجليس فقال: «كيف لم يجر شيء وقد قلت إنه جرى؟ قل لا تخف علي شيئا، فإني لا أخاطب الخليفة في شأنه إذا أحببت كتمانه عنه.»
قال وهو يقعد ويظهر عدم الاكتراث: «ليس هذا وقت الكلام بما يكدر الخليفة وإنما يهمني أن يشفى من مرضه. ما الذي جد عليه حماه الله من كل سوء؟»
قال: «ما زال منذ أصيب بالحمى يوم ذلك الاجتماع وهو متوعك المزاج. فلما كان صباح أمس - وهو يوم الجلوس للناس - لم يحضر، فسألت عنه فقيل لي إنه قضى يومه في دار النساء، وعلمت بعد الظهر أن الحمى عاودته بشدة.»
فأظهر أبو الحسن الاهتمام الشديد بالأمر وقال وهو ينظر في البساط: «قضى نهار أمس في دار النساء وأصيب بعد الظهر بالحمى؟ فلا بد أن يكون ظني الأول في محله.»
قال: «وما هو؟ قل يا أبا الحسن، فما عهدتك تخفي علي شيئا. قل ماذا جرى في دار النساء؟»
قال: «لا أحب أن يشيع هذا الخبر حفظا لكرامة أهل القصر. علمت أن غريبا دخل ذلك القصر مساء أول البارحة وقضى معظم الليل فيه. ولما علمت بخبره أسرعت إلى قيم القصر قراقوش وطلبت إليه القبض عليه فإذا به قد فر في السراديب. أرأيت؟»
فأطرق الجليس دهشة واستبعد ذلك الخبر؛ لعلمه أنه ما من أحد يستطيع الدخول إلى القصر مع ما حوله من الحراسة. ثم إن أخت الخليفة بعيدة عن مثل هذه الظنون. ولحظ أبو الحسن تردده في تصديق الخبر فبادره قائلا: «أراك مطرقا تفكر كأنما لم تصدق قولي. ولكن لك أن ترتاب، غير أن هذه المرأة التي تزعم أنها لا تريد الزواج فرارا من أبي الحسن إنما هي عالقة القلب بشاب غريب من الأكراد أعدائنا.»
فصاح متعجبا: «من الأكراد؟» فأجاب بهدوء وتألم: «ومن خدم الأكراد!»
فدق الشيخ كفا بكف وقال: «يا للفضيحة! ماذا يكون حال أمير المؤمنين إذا بلغه ذلك الخبر؟ ولكن ...»
अज्ञात पृष्ठ