قضى معظم النهار في منظرة اللؤلؤة وهو يتهيأ للسفر حتى أعد كل ما يحتاج إليه، وقد مالت الشمس إلى الأصيل. فانفرد في غرفته يفكر في مهمته وإذا بطارق بابه، فأجفل لأنه لا يطرق بابه أحد لا سيما وهو على أهبة السفر. فنهض وفتح الباب فرأى غلاما صقلبيا يظهر من ثوبه وشكله أنه من غلمان قصر الخليفة. فاستغرب ذلك فدخل الغلام وقال: «لعلي في حضرة الفارس عماد الدين؟»
قال: «نعم ما وراءك؟» فمد الغلام يده إلى جيبه وهو يشير إلى عماد الدين أن يغلق الباب؛ خوفا من أن يراه أحد، واستخرج لفافة دفعها إليه. فتناولها ولم يتم فضها حتى اقشعر بدنه؛ لأنه رأى فيها خصلة الشعر الذهبي التي كان قد أرجعها إلى سيدة الملك، فبانت البغتة في وجهه لكنه تجلد وأخذ يتفرس في الكتاب فإذا هو رسالة مختصرة بلا توقيع. فأغلق الباب وتحول نحو الداخل وهو يقرأ، وهذا نص الكتاب:
إلى البطل الباسل عماد الدين. اعلم يا سيدي أنك نجيت نفسا شريفة من القتل والعار. وهذه النفس تحتاج إلى رؤيتك لتكافئك على صنيعك. وقد كلفتني أن أرسل إليك العلامة التي ينطوي عليها هذا الكتاب لتتأكد صدق قولي. فأسرع إلينا على عجل فإننا نستصرخك، وقد لبيتنا من قبل بلا استصراخ. وحامل هذا الكتاب يرشدك إلى الطريق.
فرغ من تلاوة الكتاب وهو يحسب نفسه في حلم فظل هنيهة كالغائب يفكر فيما يعمله، أيجيب دعوة الداعي وهو على أهبة السفر؟ أم يعتذر وهي تستصرخه. وأحس عند رؤية الشعر بجاذب يدعوه إلى الإجابة. وتذكر ما بعثه على حمل تلك الخصلة من دمشق إلى القاهرة حتى دفعها إلى صاحبتها حرصا على كرامتها بدون أن يعرفها، فكيف تدعوه بلفظ الاستصراخ ولا يذهب إليها؟
وكان الغلام في أثناء ذلك واقفا ينتظر الجواب، فلما استبطأه خطا خطوة نحو عماد الدين فانتبه هذا لنفسه فالتفت إلى الغلام وقال: «ما وراءك غير هذا الكتاب؟»
قال: «هذا كل ما لدي، ولكنني أمرت إذا استفهمتني عن الطريق أن أرشدك إليه.»
قال: «وكيف ذلك؟ هل يجهل أحد الطريق إلى قصر الخليفة؟!»
فابتسم الغلام وخفض صوته وقال: «ليس القصر مجهولا، ولكن صاحب هذه الرسالة في قصر النساء، ولا سبيل لرجل إلى هناك ولا سيما بعد أن جعلتم الأستاذ بهاء الدين قراقوش قيما عليه فأصبح أمنع من عقاب الجو.»
قال: «إذن كيف الوصول إلى المكان المقصود؟»
قال: «إذا كنت قد صممت على الذهاب فإني أدلك على طريق توصلك إلى داخل قصر النساء ولا يشعر بك أحد.»
अज्ञात पृष्ठ