قال: «وكيف إذا رأيت مهارته في ركوب الخيل وخبرت أخلاقه الحميدة؟ كفى تفانيه في سبيل خدمتي، إنه يحبني حبا مفرطا فلو قلت له ألق نفسك في النار لفعل.»
قال: «احرص عليه وقدمه.»
قال: «إني لا أترك فرصة تمر إلا أكرمته، وهو الآن من حرسي ويستحق أن يكون من كبار القواد لكنه ما زال صغير السن وسيكون له شأن، وقد سرني أنك توسمت فيه ما توسمته أنا وتحققته بالاختبار.»
فقال نجم الدين: «هل زوجته؟» فقال: «أردت تزويجه بجارية جميلة فلم أجد فيه ميلا للزواج.»
فهز نجم الدين رأسه وقال: «تلك هي مناقب أصحاب المطامع طلاب السيادة، ينصرفون بكليتهم إلى تلك المطامع فاحتفظ بالشاب.»
وبينما هما في ذلك إذ سمعا قرع الطبول استعدادا للسباق، فجلس صلاح الدين مع أبيه على أريكة نصبوها لهما بين يدي القصر تشرف على حلبة السباق وفوقها مظلة من الحرير الملون. وأطلق الفرسان الأعنة، وكان عماد الدين على جواد أزرق يمتاز عن سائر الجياد يعرفه الناظرون عن بعد، ولحظ نجم الدين أنه يفوق سائر الفرسان بالخفة واللباقة. ولعبوا ألعابا عديدة وتسابقوا وتراموا وكفة عماد الدين راجحة.
قضوا في ذلك بضع ساعات وصلاح الدين جالس مع أبيه تحت تلك المظلة. ثم أخذ الفرسان يتوافدون للمرور أمام المظلة لإلقاء التحية وصلاح الدين يثني على مهارتهم ويكلمهم بما يقتضيه المقام، حتى جاء عماد الدين فأمره صلاح الدين أن يترجل ويأتي إلى أبيه، فترجل ووقف بين يدي نجم الدين وقوف الاحترام. فقال له: «يا عماد الدين، ستكون رجلا مقدما، ويسرني أنك حائز إعجاب سلطانك.»
فأكب عماد الدين على يدي نجم الدين يقبلهما وقال: «إني عبد لمولاي السلطان أفديه بروحي. وإذا قدر لي أن أكون شيئا مذكورا فيكون ذلك من فضله لا لاستحقاقي.»
فربت كتفه متلطفا وتناول خنجرا كان في منطقته ودفعه إليه وقال: «احتفظ بهذا بالخنجر تذكارا مني.»
فأكبر عماد الدين هذا الإكرام من والد صلاح الدين وهو يعلم أن صلاح الدين نفسه يهابه، فترامى على يديه يقبلهما. وكان صلاح الدين يخاطب بعض الفرسان فلما فرغ من خطابه تحول إلى أبيه فوجده يخاطب عماد الدين فانبسطت نفسه لإعجابه بذلك الشاب، وقال: «يسرني أنك راض عنه.»
अज्ञात पृष्ठ