فقال: كيف لا تأخذني دهشة من فعلك , وهناء عيشك - مع ما أراه من حالك - , فقال له: عندي لك ما هو أعجب مما رأيت , قبل دخولك خرج من عندي خادم الملك يخبرني أنه غداة غد بعد صلاة الظهر - يقتلك الملك - , فقال الرجل: وما هذه الحالة مع تيقنك بإنصرام الأجل؟! واني حبست على كذا وكذا من الدنانير , لا أرقب قتلا , وقد ضاقت علي الأرض بما رحبت , فعند ذلك أمر الوزير غلامه , فدفع للرجل ما حبس عليه من الدنانير , وقال له: يا هذا (اليوم خمر وغد أمر (4)) وما يدريك ماذا تنسجه يد القدرة إلى غد , فخرج الرجل من السجن , فبكر في اليوم الثاني لينظر ما يصنع بصاحبه , فلما وصل إلى باب السجن رأى رجلا يطرق الباب , وينادي لمن بالسجن: من يعطني شيئا , وأنا أطلقه من السجن , فسئل عن السبب , فقال: إن الملك باكر بشرب الخمر مع ندمائه , فأخذ أحدهم السكر , فضرب الملك , فقتله , فأطلق الوزير وإذا صاحبه في الباب , فقال: يا هذا لو أني لم أجعل الصبر ترسا للنائبات , واضجر منذ جلست , ما ذقت لذة الحياة. ولقد أحسن الشنفرى في قوله فيما يأتي: ولا الصبر إن لم ينفع الشكو أجمل.
8 - ... وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
اللغة:
مدت: بضم الميم , وتشديد الدال المهملة , من المد , وهو بسط اليد , والمد: ((السيل , وإرتفاع النهار , والإستمداد من الدواة , وكثرة الماء , والبسط , وطموح البصر إلى الشيء (1))).
الأيدي: جمع اليد , وهي الجارحة.
الزاد: ((طعام يتخذ للسفر , تقول: زودت الرجل فتزود , والمزودة ما يجعل فيها الزاد (2))).
الأجشع: بهمزة مفتوحة , فجيم ساكنة , فشين معجمة مفتوحة , آخر الحروف عين مهملة , من الجشع بفتحتين , وهو ((أشد الحرص وأسوأه , وهو أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك (3))) , ((تقول منه: جشع بالكسر , وتجشع مثله , وهو رجل جشع , وقوم جشعون (4) , ومجاشع بن دارم أبو قبيلة من تميم (5) , وابن مسعود السلمي صحابي (6) , وتجاشعا الماء تضايقا عليه وتعاطشا , والتجشع: التحرص (7))).
पृष्ठ 134