بين نوحات النائحات وبكاء الثاكلات، سكوت يأتي به الإعياء وتقطع الأنفاس. ذلك من الفواصل التي ينوب فيها القلب عن العين، فتسكت الظواهر وتبكي السرائر. وقد وقع مثل هذا في بيت الفقيد الغالي! جاء رجل من القصر يحمل عطية. كلم الأيم من وراء ستارها فقال: أمير المؤمنين في حزن عظيم على المرحوم! فقد كان يحبه كثيرا! وهو يقول: إذا ذهب حاميكم فأنا حاميكم. وهذه هديته إليكم.
فانطلقت الألسن بالدعاء من قلوب لا يشوبها الرياء ...
كانوا يخدعون الناس فيسرقون منهم الدعوات، ويريدون أن يخدعوك يا رب ليختلسوا منك الرحمة والرضوان.
ماذا قال وماذا قالوا
ولولا وال عثماني ما خططتها
استخدم القلم ثم مله. وافترقا بعد ذلك غير آسفين. ألقى القلم وجانب المحابر وطوى الصحف، وحاول مطلبا فنال، فلا سماء فروق إذا صحت، ولا ماء الخليج إذا سكن، ولا بنات ورق إذا دعت هديلا، ولا الأزاهر إذا تنفست عن أريحها. لا يبعث وجده ولا يجدد صبوته شيء من تلك الأشياء. ما أكذب ما ترجع به الأبصار! الخلق لا يتطرقه تغير، والحقائق ثابتة، وليلى في يومها كليلى في أمسها، وإنما تتغير مواقع البصر بتغير الحالات.
مالك! أئن اختلفت وجهتك وملت عن قصدك، تبدلت في نظرك الأشياء! الهضاب هي تلك الهضاب يكسوها أخضر النبات. يصوب عليها العارض المتهلل، فتتفتح ثغور أقاحيها وتبتهل أفواه شقائقها ثم يغدو عليها قيظ، فإذا ما فوقها هشيم يابس ذوت أزهاره وعاد اخضراره اصفرارا. إذا انقطع عنك الوحي في ليل الهواجس، وجفت مكانك ملائكة الفكر بما كانت تأتي به من أنوار المعاني، استطبت أنت ذلك التحول وتقول إنك لست بالمتحول. هات الدليل، لعل لنا فيه مقنعا.
أهلا بسيدي الوالي في موكبه الحافل وأعلامه الخافقة، وقدره العالي وفضله المأثور.
زعموا أنك مررت بهذه الديار فجست خلال ربوعها الآهلة، وكانت لك غدوات وروحات في مسارحها ومراودها، فعبت عليها حسنها ولا غرو. ابن الرومي الشاعر ذم قبلك الورد، وكرهت أن ترى تماثيلها وقلت: «إنها ظلال الحرص على الممالك.» ولا بأس، فأكثر القدماء يقولون مثل مقالك، جعلك الله في حل مما قلت، ولعل مولاي ممن يؤثرون البدو على أهل الحضر ويقولون ما قال شيخ المعرة:
والحسن يظهر في شيئين رونقه
अज्ञात पृष्ठ