مقدمة
عيوب العائب
المرأة
هو وهي
التعصب
الكهول والشباب
أكذوبة أبريل وأكذوبة رمضان
ليلة القدر
المحتلون يخرجون من مصر
مقتل فرر
अज्ञात पृष्ठ
العمال في البلاد العثمانية
الغلو في المدح - التذلل - الذي ينقصنا أكثر من الذي عندنا
جراغان في أمسها وفي يومها
خليج البسفور في إحدى ليالي الشتاء
ماذا قال وماذا قالوا
الإسراف الإسراف
الاسترقاق في أيام الحرية
حرية الفكر
أحد المشاهد الرائعة
بطرس غالي في موكبه الأخير
अज्ञात पृष्ठ
الشقاق
مقدمة
عيوب العائب
المرأة
هو وهي
التعصب
الكهول والشباب
أكذوبة أبريل وأكذوبة رمضان
ليلة القدر
المحتلون يخرجون من مصر
अज्ञात पृष्ठ
مقتل فرر
العمال في البلاد العثمانية
الغلو في المدح - التذلل - الذي ينقصنا أكثر من الذي عندنا
جراغان في أمسها وفي يومها
خليج البسفور في إحدى ليالي الشتاء
ماذا قال وماذا قالوا
الإسراف الإسراف
الاسترقاق في أيام الحرية
حرية الفكر
أحد المشاهد الرائعة
अज्ञात पृष्ठ
بطرس غالي في موكبه الأخير
الشقاق
الصحائف السود
الصحائف السود
تأليف
ولي الدين يكن
مقدمة
الصحائف السود مقالات نشرت في جريدة المقطم الشهيرة متتابعة، أردت أن أنتقد بها بعض ما يقع في معترك هذه الحياة، واخترت حين بدأت نشرها اتخاذ توقيع «زهير» تكتما؛ لكي لا يمنع رجال الأدب من نقدها حق الود، ولكن عرفني إخواني فرجعت عن الاختفاء وعدت إلى توقيعي الأصلي، واستهللت بعض المقالات من صحائفي السود بأبيات ومقطعات نظمتها على ما يناسب المقام، وكنت أود أن أستمر في كتابة هذه الفصول حتى أبلغها المائة أو الأكثر غير أني خفت ملل القراء؛ فاكتفيت بالقلائل وسأعود إلى مثلها بعد أن اختار اسما جديدا.
الله ألهمنا أن نقول وبصرنا بما نقول فيه، فعلى أهل السمع أن يسمعوا ويعوا، ومن أصلح خطأ لمخطئ مثلي استحق شكره.
ولي الدين يكن
अज्ञात पृष्ठ
عيوب العائب
لقد آن أن يعلم الجاهل
ويصحو من نومه الغافل
هوى زال من بعد ستين حولا
كذلك كل هوى زائل
فحل فؤادي جمالا كذوبا
لقد غرك الزخرف الباطل
فما أنت مني إذا مد جلا
وصادك من بعد ذا الحابل
عيون المها لا تصيب القلوب
अज्ञात पृष्ठ
وللعقل من دونها حائل
فقل للحاظ ورباتها:
لقد أخطأ النبل والنابل
إذا ما رجعت إلى شيمتي
فأهون بما يعذل العاذل
موالي جاروا على عبدهم
ولا بأس جائرهم عادل
فكم قايسوه بمن قايسوا
وكم ثاقلوه بمن ثاقلوا
ولما رأوا فضله راجحا
अज्ञात पृष्ठ
بكوا أسفا أنه فاضل
لي الله ما لي أجامل قوما
أجادوا الصنيعة لو جاملوا
إذا أنا واصلتهم قاطعوا
وإن أنا قاطعتهم واصلوا
أنا - أعزك الله - شيخ محدودب الظهر، أبيض الفودين، متثاقل الخطا، مرتجف الأعضاء، أبو تجارب، ابن ستين، أخو أسفار، جواب أرض، تقاذفت بي فلوات وتلقفتني فلوات. فكم سهل كالصحيفة مشيت به مشي القلم، وكم كهف مظلم كالفؤاد أقمت به مقام الأمل، صرت إلى كثير من أقطار الأرض لا مباليا سرى ولا خائفا تهجيرا، ما صاحبي إلا عصا أتوكأ عليها في تسياري، وأقيس بها أعماق مخاضاتي وقد ضج نضوي ومل ركابي بعد أن فت الزمان في عضدي وأشل بالكبر ساعدي، وإذ وهن العظم مني ولم تبق الأيام من شبابي إلا تباريح ذكر يجددها طلوع البدر وهبوب النسيم وضحك النور وتسلسل الماء واصطفاق الراح فقد آن أن أخلد إلى مصر وأنشر بها كتاب شجوني.
عرفت في بعض أسفاري شيخا هو أكبر مني سنا وأوفر تجربة، وما زال ينتقص الدهر من أطرافه حتى أصبح كالترس؛ له وجه كحجر الشحذ وأنف كاللولب تحسبه ثابتا وهو يدور وناظرتان كمصباحي مسجد في أخريات الليل. تضاءل نورهما وذهب لمعانهما فهو يتخيل بهما الأشياء ولا يراها. أقام بإحدى بوادي نجد جم الكلاء خصيب المرعى، واتخذ له من أغصان الشجر بيتا يأوي إليه من قر الليل وحمارة القيظ، فلزمت هذا الشيخ أياما يحبوني نصحه ويعلمني علمه، فكان مما قال لي: إذا هممت بعيب الناس فاجعل نفسك أول من تعيب، فمن لم يعلم من نفسه زلاتها لم يعلم من الغير زلاته ومن كان بعيدا عن معرفة حقائق ذاته فهو عن معرفة حقائق الناس أبعد. وقد عاهدت الله لا آخذت امرأ قبل مؤاخذة نفسي وها أنا ذا موفيها هنا حسابها لكي أنتقل إلى غيرها خالي القلب قائم الحجة.
كان أبي رجلا من أغنياء التجار بالبصرة، لم يرزق من الذكور غيري، ولا من البنات غير أختي فاطمة وهي أصغر مني بستة أعوام. علمنا كلينا القراءة والكتابة، وأحضر لنا مؤدبا يؤدبنا؛ فروينا الأشعار وحفظنا سير المتقدمين، وبرعنا في النظم والنثر، فلما انقضى زمان الطلب وبلغت مبلغ الشباب اتخذت رفقة لي من أبناء التجار، فكنا نخرج أيام الجمعة خارج البلد ونجلس على شاطئ دجلة، فيؤتى لنا بالطعام وبالشراب فنصيب منهما حظا وافرا. كل هذا ونحن نساقط حديثا كالدر وهي عقده حتى إذا مالت الشمس لتغرب نهضنا راجعين وتودعنا على أن نتلاقى في الجمعة الآتية. وكان أبي مشتغلا بالعبادة منقطعا عن الدنيا فلا يحب الراح ولا شاربيها، ولا الميسر ولا من يجيلون أقداحه. وكنت أقول له إني كنت في رفقة لي نسمع الواعظ وإننا خرجنا بعد ذلك إلى بعض البساتين فصلينا فيه صلاة العصر وصلاة المغرب فيصدق قولي ويدعو لي بالخير. وقد عاش أبي ما عاش حتى قضى نحبه ولم يعرف من أسراري شيئا، ولا أنسى لومه إياي ذات يوم على قول الشعر وقوله لي: «يا بني لا تكن شاعرا. إن الشعراء لمن أهل النار.» فتبسمت في وجهه ووعدته طاعة وامتثالا، وأخفيت عنه منذ ذلك أشعاري.
فلما استحوذت على إرثه بعد وفاته جعلت أبذر المال تبذيرا، وهمت على وجهي في اللذات واتخذت لي من الندمان كل خفيف الروح ظريف الشمائل، وولجت معاهد المقامرين وأهل البطالة، فما دار علي الحول إلا أملقت إملاقا. وكانت أمي خطبت لي إحدى فتيات البصرة، وهي فتاة في السابعة عشرة من عمرها ذات وجه صبيح وأدب غض وخلق سوي، فتزوجت بها ورزقت منها بنتين هما آيتان في الجمال. وتزوجت أختي من رجل غني شرس الخلق بخيل جاهل، ولم تسألها أمي رضاها، بل رغبت فيه لكثرة ماله؛ فكانت عاقبة التزويج شرا وماتت أختي في روق شبابها غما وحسرة، ولحقت بها أمي بعد أشهر قلائل.
وحين أجدب حظي وأفل نجم دولتي، ولم يبق لي طارف ولا تليد، وأمسك أصحابي عن إقراضي وبري، وازدحم على باب بيتي غرمائي عمدت إلى الشعر أستدر به هبات قوم من أولي الثراء، وأهز به أعطاف كبريائهم، فما أفادني ذلك سوى ذل السؤال وإثم الكذب؛ هنالك وجهت امرأتي وبنتي إلى بعض إخوتها وهم يسكنون ضيعة لهم خارج البصرة، وودعتهن ودموعي تجمجم كلامي حتى إذا أرخى الليل سدوله خرجت تحت ظلمائه؛ لكي لا يراني مطالب لي فيأخذ بطوقي، وفارقت بلدي وأرض عشيرتي ... ولم يهنأ لي عيش بعد ذلك، وأيقنت أني كتب علي الشقاء ما دامت الحياة.
अज्ञात पृष्ठ
فإذا دجا الليل وخلوت إلى همومي عاودتني الذكرى فنبا جنباي عن مواضع الرقاد، وإن هبت الصبا جددت حنيني واستعادت أشجاني، وأخبرني جماعة من أهل البصرة لاقيتهم في بعض أسفاري، وهم لا يعرفونني، أن بنتي كبرتا وأن قد كثر خاطبوهما، وأن أمهما أبت تزويجهما وقالت: لا أحب أن أفرح وأبوهما غائب، ولقد حاول إخوتها أن يثبتوا لها موتي فلم تصدق.
هذه قصتي أو هي واقعة من وقائع حياتي ذكرتها لتكون بيانا لسيئاتي، ولقد استقام بعدها أمري في فاقتي، ولم تحل فتن الحياة دون طلابي الحكمة وتجريبي الأيام، ثم رجعت إلى البصرة ولبثت بها حتى تزوجت بنتاي، فاستصحبت امرأتي لتكون معوانا لي في كبري، وهبطت مصر وإني لن أبرحها إلى أن ألقى حتفي.
أقول: قد تقدم في بيان ذنوبي ما لا يسعه العفو ولا يمحوه القدم. هذا مع ضعف في الأخلاق وسوء في التربية، وكيف يختار الكذب على أبيه رجل حسن تأديبه! وأنا بني الشرق لتزكوا أحسابنا ويجم مالنا ويعظم نشبنا فلا يفيدنا ذلك إلا غواية في الشباب وندما في الكبر، ولو كان أبي أحضر لي مؤدبا يعلمني الحكمة مكان الشعر أو مع الشعر أو أدخلني مدرسة من المدارس التي ليست ببلادنا لثقفت الغربة عودي وأغناني تعلم النافع عن طلاب النفع بالسؤال.
كم من فتى مثلي طيب الأرومة ثابت الأصل طويل النسب رفيع البيت ربي على الدلال، ووثق بثراء أبيه فرمى بذهبه يمنة ويسرة، فلما خرج عن ماله خرج عن مجده، ولم يدخر ما يكشف غماءه من علم تعلمه في صباه فصار إلى شقاء الجد ونكد الطالع، وضل في هذه الدنيا ضلالا.
قالوا إن تعليم البنات مهيع إلى إفسادهن، وما في القائلين بذلك من تعلمت أمه وعرف فسادها. إن هو إلا لجاج مبين. أبى القدماء مزايلة عاداتهم فضلوا وأضلوا، وحسبوا عصر بنائهم مثل عصرهم فشقوا وأشقوا. حتى إذا كانت العاقبة إذا هم في أجداثهم راقدون، لا يسمعون فتقص عليهم قصص من خلفوا ولا يتعظ بمصارعهم من عاش بعدهم ورأى خطأهم، ومن لا تعظه العبر لا تؤالمه وقعات الصروف.
المرأة
ألا ما لسيدتي ناحبه
بروحي مدامعها الساكبه
يكاد على خدها الاحمرار
يبين لناظره لاهبه
अज्ञात पृष्ठ
وليست بمعرضة في دلال
ولكن أرى أنها غاضبه
ألا صدقت هذه العبرات
وقد كنت أحسبها كاذبه
لمن يذخر الود مسلوبه
إذا هو أرضى به سالبه
تمنيت لو كتبت ما بها
ولكنها لم تكن كاتبه
تفتش ليست ترى صاحبا
يقاسمها الحزن أو صاحبه
अज्ञात पृष्ठ
لقد غلب اليأس آمالها
وآمالها كانت الغالبه
أزيلي الحجاب عن الحسن يوما
وقولي مللتك يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني
فرح ذاهبا ها أنا ذاهبه
شهدت مصارع ثلاث نسوة؛ إحداهن قتلها الاستبداد، والثانية أرداها الجهل، والثالثة أودى بها الحجاب. فقل في ثلاثة أنجم طلعت بأفق الصبا ثم احتواها الأفول. شباب غض أذوى ريب المنون بهاره، وأنس قريب أبعدته وحشة القدر. فأما التي قتلها الاستبداد فامرأة جركسية كانت مقيمة مع أهلها بقرية من قرى «العزيزية» التابعة لولاية «سيواس». اشتراها أحد رجال «س ... باشا» من أبيها بخمسة وعشرين جنيها، فلما قدم بها الأستانة على سيده أهداه إياها، فأسكنها حرمه وكساها وحلاها حتى إذا خطرت لديه رأى في مواطئ قدميها مواضع لجباه العاشقين، فخطب ودها فنظرت إليه بعينين نجلاوين لا واقي لقلب رمتاه وقالت: مكاني في خدمة الأمير أحب إلي مما عداه.
فما زاده ذلك إلا حبا لها واستهتارا بهواها، وما زادها إلا نفورا منه وبغضا، فتمكنت ذات يوم من إنفاذ كتاب لأبيها تشكو له ما تجد من اشتياقها إلى أمها وأخواتها، وتعلمه بما تحس به من اضمحلال قواها، فأصابت شكايتها موضع الرحمة من فؤاد أبيها، وأقام أياما يتزود للسفر إليها ... فلما عاد من سفرته قالت له امرأته: كيف حال من بعتها؟ فقال: رحمة الله عليها ...
وأما التي أرداها الجهل فغانية كتمثال فينوس. استصحبها أبوها إلى بيروت وهي في الخامسة من عمرها، وأدخلها هناك إحدى مدارس الراهبات أخذا برأي صديق له، فلما أتمت علومها التي في مدرستها أخرجها أبوها وقد بلغت الثالثة عشرة، وأوجب عليها الحجاب ومجاورة البيت، ومنعها مطالعة الكتب الإفرنجية. ولقد قالت له: إذن لم علمتني ما لا تريد أن أعمل به؟ فقال لها: لي الأمر وعليك السمع والطاعة. فدعي الجدال ولا تتشبهي ببنات النصارى، أنت - والحمد لله - مسلمة وأبوك مسلم وأمك مسلمة، فامتثلت المسكينة وفي النفس ما فيها.
فبينا هي ذات يوم في غرفتها إذا بأمها داخلة عليها، فما تقابل النظران إلا بادرت الأم إلى ابنتها قائلة: جاء أباك خاطب يخطبك منه، فقالت الفتاة: لا أريد الزواج. قالت الأم: لكنه فتى جميل كأنه أحد أبناء الملوك. قالت الفتاة: ما لي وجماله وغناه ومشابهته أبناء الملوك، أنا لا أعرفه فلا أريده.
अज्ञात पृष्ठ
ثم مضى شهران وفي أول الثالث زفت المجهولة إلى المجهول، ثم مضى شهران فدخل عليها زوجها يوما وفي يدها صورة رجل مكشوف الرأس عليه ثياب قواد الجنود وفي يده قبعة؛ ففار دم زوجها وثار غضبه وأدركته غيرة الزوج فعمد إلى خنجر كان يحمله فشق به بطن امرأته فإذا هي جسد بلا روح، ولما تأمل الناس ورجال القضاء الصورة التي أغضبت الزوج إذا هي صورة واشنطن الشهير محيي مجد أميركا!
وأما التي قتلها الحجاب فقد تزوجها رجل من أهل أدنه شديد الغيرة. دخلت بيته ليلة زفت إليه ولم تخرج منه أبدا، حتى إذا مرضت وثقل عليها المرض واشتد الألم دعا زوجها طبيبا، وأخذ يصف له ما تشكوه. فقال أنا لا أداوي على السماع ولا بد من رؤية المريضة وفحص موضع العلة. فأبى الزوج الأبي ذلك. وما مضت أيام قلائل إلا وقد أزروها في أكفانها، وشيعوها إلى منزلها الأبدي. من ضريح إلى ضريح.
وأعرف نوادر غير هذه لا أكلف نفسي ألم ذكرها، ولا أهب القراء كمد العلم بها. هذا فؤاد كالبركان. له أيام يثور فيها وله أيام يسكن فيها، وكم لي عند الأيام من ثارات، ولكن ضعف الطالب وعز المطلوب.
على أنني راض بأن أحمل الهوى
وأخلص منه لا علي ولا ليا
فواعجبا، الله يخلق هذه الصور فيمسح عليها من الجمال ما يستخف لب الحكيم، ويودع في تلك الأرواح لطف الإلهام ونور اليقين، فإذا هي تكاملت في أشكالها تخاطفتها أيدي المتغلبين فقالوا هذا متاع حسن ولهو ومسكن لذة ومستقر هوى! ضلال في ضلال.
أما لو كان في الغانيات مثل جورج ساند، ومثل مدام دونواي لتقاعست همم المستبدين.
رأيت رجالا يبذرون المال تبذيرا فإذا أقاموا الأفراح نصبوا السرادقات، ورفعوا الأعلام، وأوقدوا الزينات، ومدوا الموائد، وجاءوا بالمغنين والمغنيات واستكملوا أسباب المسرات. كل ذلك ليدخلوا بامرأة لا يعرفونها. خطبوها لأنها خلقت لتخطب فإذا صارت في أيديهم أياما ملوا حديثها وسئموا قربها وراحوا يفتشون على غيرها، فمثلهم كمثل الطفل المدلل يرى اللعبة فيبكي لأبيه وأمه حتى يبتاعاها له، ثم لا يلبث أن يحطمها ويطرحها جانبا ليأتيا له بغيرها.
هذا عصر غارة شعواء يشنها المجددون على شيعة الرأي القديم، وما ضرني وقد اشتعل الرأس شيبا أن أتقدم صفوف الشبان، فإن لم أكن صاحب أمرهم فما علي أن أكون حامل رايتهم، فمن لي بصاحب تحرير المرأة أن ينفض عنه تراب القبر ويخرج إلى الأحياء؛ ليرى مبلغ استفادتهم من رأيه. أما إنه لو فعل - ولن يفعل - وقرأ ما يكتبه قوم في إبقاء الحجاب والتحكم على أمهات الأجيال الآتية لكر راجعا إلى مرقده، وأغمض عينيه حتى لا يرى وأذنيه لكي لا يسمع، وأنشد قول الحكيم القديم:
ضجعة الموت رقدة يستريح ال
अज्ञात पृष्ठ
جسم فيها والعيش مثل السهاد
هو وهي
فصل من فصول الرواية
عجبا ينام الناس ليلتهم
وأبيت أسهر ليلتي وحدي
وتظل عندهم أحبتهم
وأظل ليس أحبتي عندي
أأكون سيدهم وحاسدهم
ويفوز جدهم على جدي
فلأملأنك يا عيون قذى
अज्ञात पृष्ठ
ولأسهدنك في الدجى سهدي
ولأملأنك يا قلوب أسى
ولأوجدنك دائما وجدي
لا لا أموت بحسرتي أبدا
ويسر قوما عيشهم بعدي
في قصر من قصور الملك تحت ليلة من ليالي الشتاء متغورة النجوم، حالكة الجوانب؛ رجل كالراهب المتبتل، بادي الكمد، مستطرد الخطوات، زائغ البصر، متخاذل الأطراف ينشد بلسان حاله هذه الأبيات.
أخذ يتمشى في حجرته ساعتين أو أكثر مطرقا مفكرا سئما كليلا. فلما توسط المكان رفع رأسه ونادى: يا هجران، فدخلت عليه بيضاء اللون، صفراء الشعر، بين القبيحة والوسيمة. فلما مثلت بين يديه قال: أما آن لك يا هجران أن تصدقيني، وتتعظي بصاحبات لك حلت بهن نقمتي. فأطرقت المرأة مليا ثم قالت: أما إذا لم يكن من الصدق بد فلا يسعني إلا الإخبار بما أعلم. - هاتي ما عندك. - الذي أعلمه أنها لا تحب مولاي، ما رأيتها يوما تطرب لذكره كما تطرب ضرائرها، ولا رأيتها تعجب بشيء يكون فعله كما تعجب أترابها، ووالله لا أدري ما لها، ولقد أخبرتها إحدى جواريها خبرا. - ما قالت لها؟ - قالت لها إن مولانا قتل اثني عشر تلميذا. صب في أفواههم الرصاص، فبكت وقالت: اللهم هذا ظلم لا يرضيك. - كل ما تخبرينني به خارج عن سؤالي. أنا أريد أن أعلم كيف أحرقت الستارين. - هذا سر لا يعلمه سواها. - اذهبي فقولي لها إني قادم عليها.
فخرجت الوليدة وبقي هو وحده ينظر إلى السقف ولا يرى ما فيه، ثم تقدم إلى خزانة سلاحه فأخرج منها ثلاثة مسدسات جعل اثنين منها في كمه وأبقى الثالث بيمناه، وخرج بعد ذلك إلى حيث خرجت الوليدة. •••
هي بنت أربع وعشرين سنة هيفاء ناحلة يعلوها اصفرار من خوف، لها بسمات كأنها بكاء، عليها ثوب أزرق يحملها سرير مفخم كأنه صنع لها نعشا وعلى رأسها وصيفة لها تنصت إلى حديث كانت بدأته. لله نفوس يسكنها الأرض لتلبث فيها قليلا وترجع إليه سراعا، قد تتلألأ في بيت من الشعر ثم تسمو إلى مقاصير الملوك فتقيم بين عز الجمال وذل الأسر حتى تفيض حيث تخشع الأبصار وتسكن خافقات الجوانح.
فاستطردت هي حديثها قائلة: نعم يا جؤذر بين شجيرات الليمون في حديقة الشتاء، للحين المكتوب والقدر المتاح. كنت غداة يوم نبهتني أصوات العصافير تحت كوة حجرتي، فخرجت متبذلة مرسلة الغدائر، أشم الليمون على أغصانه ونفسي لا تطاوعني إلى اقتطافه، وإني لكذلك إذا يد تمس أحد كتفي، فالتفت فإذا هو كالسبع وقف شعره بيافوخه، وتطاير الشرر من ناظريه، فتأمل وجهي قليلا وقال لي: لا تخافي. فوالله ما طاب لي عيش بعدها ولا قر بي قرار، ولقد رفعني قدرا وجعلني ثالثة نسائه وهو مع هذا كله موتي الذي أتوقع دنوه، وبلائي الذي أخاف نزوله، هنالك غلب عليها البكاء فلم يسمع بالمكان إلا شهيق متقطع، وأعقب ذلك سكون لا يشوبه حراك.
अज्ञात पृष्ठ
أيها العرش لا تفتن ملكات الحسن فقد بكت الساعة فوقك بلقيس. •••
مكان رحب، فيه ما يزيغ الأبصار من متاع الدنيا، يتوسط رحبه شخصان تتكسر عليهما أشعة تلك الثريات وهي تتلألأ بأنوار الكهرباء، ثم هو وهي ...
هو يقول: رب دلال أدى إلى قطيعة ورب عناد أحال النعم نقما، وبيني وبينك لو شئت وفاق تزيده الأيام رونقا وإحكاما، وبيني وبينك لو رمت خلاف يقضي به الموت الزؤام. لا تخدعيني بهذه العبرات، أنا أملك منك لها، فكم خدعت بها سفيرا وكم استوجبت حقا، ولما خلوت إلى آرابي ضحكت ضحكا، ما أظنك تحسنين مثله خبريني ما يشكيك مني. - سوء ظنك لا غيره. - أهذا مبلغ أدبك وأنت ربيبة قصري ونائلة نعمتي. - من وسرف، ثم تهمة بعد ذلك لا تسفل إليها نفس في الوجود. - ألم تحرقي الستارين لتضرمي علي قصري. - كلا. - أتحبينني. - كلا. - ألا يروقك أن تعيشي معي مذ الآن. - والله ما استطبت ولن أستطيب مما أنا فيه شيئا، وإذا استطالت يمين القدرة على بعض الجسم، فكم فؤاد يقصر عن إدراكه المتناول. - ليكونن ذاك الفؤاد إذن مطعم الدود، وليسكنن خفقانه حيث نشأت كبرياؤه، اشربي هذه الكاس التي على الخوان.
تتقدم هي بوقار إلى الكاس وترفعها بيمينها إلى فمها، ثم تنظر إليه بعينين يخالطهما نعاس الموت وتقول: غدا نتقاضى إلى من لا يخشى ظلمه ... •••
هو يقول لجماعة من خاصته: علي بأبي لحية. وما هو إلا أن وقف بين يديه، يتكلم الشر على وجهه وهو صامت، فلما رآه سيده قال: قضي الأمر، وقد ألحقت بها اثنتي عشرة جارية من جواريها. أنا جئت بالذخر الغالي فانظر إلى أي الكنوز أنت به صائر ... •••
سيدتان على قبر امرأة تتحادثان: - من لعيني حبيبتنا أن تنظرا إلى سلانيك، فلقد نظرنا إليه ساعة رحيله. - من العجائب أن يكون بين الناس من يبكون أيامه، وينسون مثل ساكنة هذا الضريح.
التعصب
لي رفقة أمجاد وأبناء أمجاد، أوتوا الفضل ورزقوا النهى، تجمعني وإياهم مجالس سمر كلما خفت عنا تكاليف الحياة، ففيهم الشاعر والكاتب والعالم والطبيب والفيلسوف، كل يفيض من مكتسبات علمه ما يشرح صدور مستمعيه. قال قائلهم ذات يوم: يا ليت فينا فقيها يعلمنا من ديننا مثل ما نعلمه من دنيانا. قالوا له: وماذا يهمك من دينك وأنت مصدق له لا تشك في أمر من أموره؟ قال: يا سبحان الله! وهل في زيادة الخير بأس؟ قالوا: كلا. فقال أحد الرفقة: غدا آتيكم برجل فقيه أعرفه منذ زمان مديد يسكن دارا مجاورة لداري. قالوا: ذلك فضل نذكره لك مع ما سبق من مثله.
وفي مساء اليوم التالي انتهينا إلى بيت رفيقنا الطبيب، فانتظم مجلسنا وأقمنا ننتظر قدوم صاحبنا مع الفقيه، وقد أجمعنا على التزام الوقار، وترك ما كان يقع بيننا من المزاح وإن لم يتجاوز حد الأدب والاحتشام. وما طال بنا الجلوس ساعة إلا وصاحبنا الكاتب داخل علينا يقود رجلا كالجمل على رأسه عمامة كالهودج، متلفعا رداء كأنه قطعة من أديم الليل، فحيانا وحييناه، وأجلسناه في صدر المجلس، وقلنا لشاعرنا: هات شيئا نفتتح به حديثنا. فقال: عن لي خاطر ليلة أمس بعد أن نزعت ثيابي، ولزمت فراشي فقلت أبياتا ثلاثا أظنني لم يسبقني إليها غيري.
فتبسم الفقيه وقال : أنا أحب الشعر وإن كنت لا أقوله، فهات ما عندك، وما أراك إلا مطربنا، فانطلق الشاعر ينشدنا قوله:
अज्ञात पृष्ठ
سيدتي إني امرؤ شاعر
آخذ من حسنك ما أنظم
تلهمني عيناك معنى الهوى
فكل ما أقوله ملهم
قد كنت أرجو منك لي رحمة
لكن قلوب الغيد لا ترحم
قال الفقيه: المجاملة تقضي بمدح الأبيات والحق يقضي بنقدها، فأي الحكمين أحب إليك؟
قال الشاعر: حكم الحق.
قال الفقيه: هذه أقوال ليست بعصرية، وللعصر العشرين ذوق خلاف ما كان بالعصور الماضية، هلا قلت مثل إسكندر سومي الفرنسوي - وقد توفي منذ نصف قرن - في قصيدته التي سماها الفتاة المسكينة: «أنظر إلى الحجر حيث تفجرت آلامي، ألتمس آثار المدامع التي ربما أراقتها عليه أمي عند تركي.» هلا قلت كما قال أندره شينييه في قصيدته التي سماها الصبية الأسيرة: «لئن مرت أيام فربما حلت أيام، فواأسفاه، أي شهد لم يمج مذاقه وأي بحر لم تهج أمواجه؟» هلا قلت مثل لا مارتين في قصيدته التي خاطب بها البلبل: «وهذا الصوت الغريب الذي أسمعه أنا والأملاك، وهذا الزفير الخالص في الليل. هما من معانيك أيها الطائر المطرب.» فلم لا تقولون أيها الشعراء مثل هذه المطربات؟
فأكبرنا الرجل وزاد في عيوننا هيبة، وقلنا: فقه وأدب، هنا والله ما تقر به الأعين. وتركنا الشعر وانتقلنا إلى غيره، فما فتح أحدنا بابا في علم يعلمه من طب وحكمة إلا نفذ منه ذاك الفقيه، فأفاد وأجاد، فداخلنا الريب في حقيقته، وأخذ كل يسر إلى من بجانبه ما يراه في الرجل، فقلنا نستنطقه في علمه الذي هو الفقه، ونستفتيه في أشياء ربما كنا غير عارفين بحقائقها، وإذا كان هذا قدره في أمور لم ينقطع إليها، فكيف به في ما هو منقطع إليه؟ فقلنا له: أتأذن لنا في استيضاح ما أشكل علينا من أمور الدين؟
अज्ञात पृष्ठ
قال: نعم، سلوا ما شئتم.
قلنا: هل لبس القبعة (البرنيطة) محظور دينا؟
قال: كلا، وفي لبسها منافع جمة، فهي تقي الرأس والوجه حرق الشمس، وتحفظ العين من أشعة نورها.
قلنا : هل حجاب المرأة واجب شرعا؟
قال: لا، وأي شرع يكون شقاء على العباد.
قلنا: ولم يتخرص بعض الناس بأن ذلك حرام وذاك واجب، ويقيمون القيامة علينا وعلى من يقولون بمثل قولك الآن؟
قال: يفعلون ذلك تعصبا واستبدادا، وهم يعلمون من الأشياء ما تعلمون، وهم بعد ذا يحلون ما يريدون أن يجعلوه حلالا، ألا ترون كيف ينظرون إلى النساء يجررن أذيالهن ويتهالكن في مشياتهن، وليس على وجوههن إلا براقع تشف عما تعلوه. فهن حاسرات مقنعات، ولكن لا يعارض في ذلك معارض، ويرون الناس يأتون من الموبقات ما تندى له الجباه وتحمر الوجوه، فلا يعارضونهم ولكن ويل لمن وضع على رأسه قبعة واجتاز طريقا! ومنهم من يقول: الربا حرام، وأوقاف الأستانة في زمان الاستبداد كانت تقرض المال بالربا، فتهب الرجل قدر حاجته من القرض، وتجعل الربح ثمن مصحف يشتريه من الولي ثم يهبه إياه، وأنتم تعلمون الحيل الشرعية وما يأتيه أكثر الناس من المتمسكين بالدين.
قلنا: هذا كلام لم نسمعه من غيرك من رجال الدين، ولكن هل تتكلم مع إخوانك الفقهاء في مثل هذا الباب؟
قال: هذا صعب، وأخشى أن أستثير غضبهم فيصيبني منهم أذى كبير، وهل فيهم من يجهل شيئا مما ذكرت لكم؟! ولكنهم متعصبون، والمتعصبون لا تجدي معهم المناظرة ولا يقنعهم الدليل.
قلنا: وكيف الخلاص من هذه العادات التي أثقلت أعناقنا وأطالت شقاءنا، وكلما هممنا بالفوز في معترك الحياة تكاثرت علينا جموع التعصب فانقلبنا مخذولين مدحورين؟
अज्ञात पृष्ठ
قال: عليكم أن تشكوا إلى الشعب استبداد رجال التعصب، ولكن بعد أن تعلموا الشعب أو تكثروا فيه عدد المتعلمين، وأنا لي في بيتي مكان يحضره كل جمعة أناس يستمعون دروسي، وهم قليلون ولكنهم مستمرون على الحضور، ولا أقرأ لهم إلا ما يفتح أذهانهم وينير عقولهم. ولما بلغ إلى هذا الموضع من كلامه نظر في ساعته ونهض واقفا واستأذننا في الانصراف، فودعناه آسفين.
فلما ولى قلنا لصاحبنا ولم يذهب معه: على من قرأ هذا الأستاذ؟
قال: على مشايخ قرأ عليهم غيره.
قلنا: ومن أين له هذه الحرية؟
قال: الحرية طبع لا تطبع.
ثم سألنا صاحبنا أن لا يبخل به علينا كلما وجد سبيلا إليه، فوعدنا ذلك، وما مضي على مجلسنا هذا شهر إلا تمزق شمله؛ فنفي أكثرنا وهرب بعضنا، وبلغنا بعد ذلك أن هذا الفقيه سجن بالأستانة ومات مسجونا رحمة الله عليه.
الكهول والشباب
أما لو يفيد العتب لارتاح عاتبه
دعوه فهذا البرق لا بد كاذبه
قلوبكم هامت كما هام قلبه
अज्ञात पृष्ठ
وأمس طلبتم ما هو اليوم طالبه
فلا تحسبوه خاسرا ليس خاسرا
تجاربكم زالت وهذي تجاربه
له مثله في أنسه ونفاره
يراضيه أياما وأخرى يغاضبه
بأية عين أم لأية زلة
نراقبه في حبه ونحاسبه
ألا إنه سهم أصاب فؤاده
وكل فؤاد ذلك السهم صائبه
تذكرت ريعان الشباب الذي مضى
अज्ञात पृष्ठ
فأحزنني أن لن تعود أطايبه
لقد كنت أقضي ليلتي في حديثه
يسائلني عن حبه فأجاوبه
سمعت بنات الورق تشدو ضحية
فقلت اسمعوا، هذي الطيور تخاطبه
لها مهج فيها هوى تحته لظى
فإما سرت ريح توقد لاهبه
أرى اليأس أدنى للشفاء من الرجا
إذا عز مطلوب سلا عنه طالبه
وكم من جوى مستكمن في جوانح
अज्ञात पृष्ठ