يطالع من خلف الستائر ملكه
يخاطبه شوقا له وينادي
بلادي بلادي إن يحل بيننا النوى
فعندك روحي دائما وفؤادي
لقد مات مجنيا عليه وما جنى
ولكن لأحرار الملوك أعاد
بعد أيام مراد، وقد مضت في لوعاته وشجونه، بين الستائر المسدولة والكوى المغلقة والجنود المحاصرة والأرصاد الذاكية، وتحت خطوب يلديز الفادحة تتجلى «جراغان»، في شبابها الريض وحسنها الأنيق لأعين ثلاثين مليونا من عباد الله. وهي إنما تتجلى سافرة غير محجبة، مباحة غير ممنوعة، مفتحة الأبواب، آهلة الكواكب، يقصدها الأمير وغير الأمير، يقف تحت سقفها المرفوع صاحب التاج وصاحب الشملة المرفوعة، وجها لوجه إن لم يقفا جنبا لجنب.
الجدران التي سمعت تأوه السلطان المظلوم ثلاثين سنة، ورأت جسمه يذوب كل يوم كما يذوب الجليد، تسمع اليوم خطباء الأمة على منبر النيابة، وترى السلطان الدستوري في إقبال دولته وأيام نعمته.
رب متكأ كان يغيب فيه مرفق الملك الأسير، وبين يديه أبناؤه وبناته كنجوم الأفق في ظلمات الليالي، يتراوحون أمامه مكتئبين. يسألونه عن الشمس كيف لونها وكيف ضحاها، وعن الرياض وما يتخيلون من شجرها وزهرها وحياضها وجداولها وبلابلها وأغاريدها وطلها وغيثها وحصبائها وزرعها، وهو يجيب بفمه ويبكي بفؤاده. ورب مكتبة عليها دواة جف حبرها، ولا ورق فيملأ ولا قلم فيكتب، كان أسير الظلم يجلس أمامها، ويؤتى بالغصون اليابسة فيبريها بسكين الطعام، فيكتب بحبر يصطنعه هو على قطع من الخشب أو الخرق، ما يعلم به بنيه الكتابة والقراءة. لا أثر اليوم من تلك الشهود الصامتة. بدلت منها جراغان غيرها وباتت مبيت العروس ليلة زفافها.
الآن يستضحكون جراغان وتريد هي أن تضحك، ولكنها لا تعرف غير البكاء. فقد تعودته ثلاثين حجة. اليوم يقيمون الأفراح بين تلك الحجرات، وتود الحجرات أن تفرح لفرح الأمة، إلا أنها لا تدري كيف تفرح فقد استطابت الحزن فلا تقدر إلا على الحزن.
अज्ञात पृष्ठ