جريدة بين النهرين
ومن الصحف البارزة جريدة «بين النهرين» صدرت في 6 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1909 باللغتين العربية والتركية، وكانت أول أمرها للتاجر يعقوب العاني إخبارية صرفة ممالئة للحكومة، ثم تسلمها محمود الطبقجلي يحرر قسمها التركي، وأناط كتابة القسم العربي بقريبه كامل الطبقجلي، وهو تاجر ذكي عشق الكتابة وعلق بالنظم وهوي الصحافة وكان حاد القلم، وفي هذه الصحيفة بدأ الكاتب إبراهيم صالح شكر وخزاته الدامية.
وجد محمود الطبقجلي في العمل السياسي وقد انتخب رئيسا لفرع الحزب المعارض «الحرية والائتلاف»؛ إذ اشتد ساعد هذا الحزب وانضم إليه فريق من الشباب النابه، بينهم حمدي الباجه جي، فجعل جريدته لسان الحزب فأقبل عليها القراء، وذاع صيتها في العراق وخارجه وطفقت تظهر ثلاث مرات في الأسبوع بعد أن كانت أسبوعية.
وعنفت معارضة الجريدة بعد أن أقصى الفريق ناظم باشا والي بغداد عن منصبه، فعاد إلى إستانبول حيث قتل بيد خصومه، فوقفت للوالي الجديد جمال باشا بالمرصاد، مع أن جمال هذا سلك مع الصحافيين طريقا تؤدي إلى التفاهم، وأخذ يؤدب لهم المآدب، ويتحدث إليهم بأنه يعظم من شأن العرب ويكبر مدنيتهم ويعرف مكانتهم في الماضي والمستقبل؛ لهذا قال في مذكراته المنشورة بعد مصرعه أنه سبق أن درس «القضية العربية» عندما كان واليا في بغداد.
وتحسب «بين النهرين» أول جريدة انتصرت للفكرة العربية ونبهت إلى نزعة الطورانية التي تشربها زعماء الاتحاديين الترك. وقد اندفع صاحبها في هذا المضمار عقب أن تلقى من شكري العسلي مبعوث الشام كتابا يطلعه على ما يبيت الحاكمون في قسطنطينية من التفريق بين عنصري الأمة العرب والترك، بوضعهم إشارة على اسم كل ضابط عربي في الجيش العثماني أو موظف في الخدمة المدنية ليحولوا دون ترقيته، فانبرى الطبقجلي يحمل على الحكومة فاضحا خططها الجهنمية بلهجة قاسية، مما دفع الجيش إلى مقاضاته في المحاكم والحكم عليه غيابا.
وبعد أن عاشت الجريدة نحو ثلاث سنوات أوقفها صاحبها لما أحس بأن عصبة الوالي ستعمد إلى أساليب مروعة من اغتيال وفتك، فودع جريدته بكلمة مؤثرة قال فيها:
أما والحياة مهددة فلأختمن حياة الصحافة والنشر قبل أن تختم حياتي.
ولم يكتف صاحب الجريدة ومحرروها بتحطيم أقلامهم، بل هاجروا إلى البصرة حيث كان حزب المعارضة قويا وملجأ أمينا للمعارضين بزعامة السيد طالب باشا النقيب.
جريدة الرياض
وها أنني أنتقل إلى التحدث عن جريدة ذات لون خاص في الصحف العراقية، بل في الصحف العربية قاطبة في ذلك الجيل؛ فقد كان يقيم في الكرخ من بغداد وجيه نجدي هو الشيخ جار الله الدخيل من أهل القصيم، يتصل بوشيجة نسب بالأمراء آل سعود وآل الرشيد، ومع جار الله وكالة لابن الرشيد في الخطة العراقية، وله تجارة واسعة وهو يهيمن على طريق البادية وقوافلها، وبإمرته أهناد الإبل يشتغل بتجارتها ويستخدمها في المواصلات يوم لم تكن في البلاد سيارات ولا قطر ولا طائرات، ولهذا الزعيم مضيف يعج برواده من البدو والحضر، فأراد أن تكون له جريدة تعضد نفوذه وتوسعه وتخدم تلك الأصقاع المجهولة في عالم النشر يومئذ، وسهل مهمته ابن أخ له شاب نابه «سليمان الدخيل»، جاء من بغداد من القصيم ودرس على بعض الأساتذة منهم محمود شكري الألوسي، واتصل بالطبقة المفكرة والمشتغلين بالسياسة، فأصدر جريدة «الرياض» متخذا اسمها من قاعدة نجد، واستعان بطالب نجيب في المدرسة الإعدادية ذي موهبة كتابية اعتاد أن يترك مدرسته ويعيش في مكاتب الجرائد هو إبراهيم حلمي العمر.
अज्ञात पृष्ठ