جريدة الرقيب
منها جريدة «الرقيب» لمنشئها عبد اللطيف ثنيان أحد الوجوه والأدباء، ظهرت في 28 كانون الثاني (يناير) سنة 1909، فكانت ثالث جريدة أهلية في قطرنا
3
شعارها أنها «جريدة عربية تركية خادمة لترقي الوطن بكمال الحرية»، صدرت أول الأمر مرة في الأسبوع، ثم صارت تبرز مرتين أسبوعيا، وكان قسمها التركي صغيرا، وأكثر أعمدتها بالعربية، وتميزت بأسلوبها الكتابي وسلاسة عبارتها ونقاء لغتها بالقياس إلى زميلاتها. وقد أجمعت الكلمة على أنها أجرأ صحف وقتها وأكثرها شعورا بالواجب، وكان صاحبها يقظا على تتبع سير الحكومة وأعمالها، فما كان منها حسنا أطراه وخطأ انتقده، بحيث صح له أن يطبق ما أعلنه في مستهل أعدادها وهو يبسط خطتها قوله:
جعلنا خطة «الرقيب» حرة إلى آخر درجة، تذكر المسيء وتقبح فعله مهما كان شريفا عالما فاضلا غنيا، وتذكر المحسن وتقدر إحسانه مهما كان خاملا فقيرا بلا فرق بينهما؛ إذ بدون ذلك تذهب مزية المحسن ضحية عدم شهرته وغناه، وذلك مما يخالف العقل؛ لأن الحسنة حسنة وإن كانت من بيت الإحسان فهي الأحسن، والسيئة سيئة وإن كانت من بيت الشرف فهي أسوأ.
عاشت هذه الجريدة ما يزيد على السنتين ولم تقصر همها على السياسة، بل جالت في ميدان الاجتماع جولات، وعالجت مشكلة التربية والتعليم وحثت على التهذيب وترقية الفكر، وتناولت مسائل لغوية طريفة في إرجاع أصل الألفاظ والتعابير والأمثال العامية العراقية إلى معانيها وأصولها الفصيحة، ولصاحبها مؤلف مخطوط ثمين في هذا الموضوع استعان في مباحثه بأصول السيد محمد سعيد آل مصطفى الخليل وضعها في هذه المسائل.
ومما انفردت به جريدة «الرقيب» أنها كانت تعلق على كثير من الشئون والقضايا تعليقا يتضمن رأي الجريدة في الموضوع الذي تعالجه، على خلاف ما كانت تفعله أكثرية الصحف من نقل مقالات الغير وآرائهم. وقد ساعد على قوة الجريدة وعلو شأنها وتأثيرها المركز الذي يتمتع به صاحبها في وطنه من وجاهة وفضل.
وعني ثنيان بتقصي أحوال القطر العراقي بأنحائه؛ فهو ينشر على الدوام رسائل من الأقاليم، وتسمى عندنا «الألوية»، ببحث شأن كل صقع وفق حاجاته.
وأخذت الرقيب على عاتقها انتقاد الوالي ناظم باشا عندما حظر تقديم العرائض إلى المراجع الحكومية باللغة العربية مريدا إياها باللغة التركية، مما أساء الرأي العام، فلم يكن من الوالي إلا أن استدعى الصحافي وهدده بأن يقصم ظهره إذا تعرض لانتقاد تصرف الحكومة، فاضطر عبد اللطيف إلى السكوت.
وقد كلفت صاحب «الرقيب» جرأته ثمنا غاليا؛ إذ أصبح بتحريض من السلطة والخصوم عرضة لتهجم ذوي الأقلام المأجورة وصحف المرتزقة مما ولد مشادة عنيفة بين الطرفين انجرت إلى أبواب المحاكم، واتخذها بعض من لا ضمير لهم أساليب دنيئة في مقاومة الرجل ومضايقته، ولكنه لم يبال بهذه التضحيات وظل مواصلا نهجه حتى اضطر إلى تعطيل جريدته، واستطاع أن يفلت من يد خصمه الوالي، فقصد إلى الشام فمصر وتوجه منها إلى الآستانة، وبقي هناك إلى حين عزل الوالي من منصبه.
अज्ञात पृष्ठ