सफवत अल-अस्र
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
शैलियों
ومما يحسن ذكره في هذا الصدد أن الحكومة الإنكليزية «حكومة برلمانية» في عرف علماء السياسة أي: أن الوزارة فيها من مجلس نوابها وهي مسئولة له عن أعمالها، فإذا فقد المجلس ثقته فيها وجب عليها الاستقالة، أما الحكومة الأميركية فليست حكومة «برلمانية» من هذا القبيل أي : أن وزراءها ليسوا من مجلس نوابها، ولاهم مسئولون له عن أعمالهم بل لرئيسهم الذي يعينهم، وهو المسئول للكنفرس عن السياسة التي يتبعها؛ وذلك لكي يتم الفصل التام بين فروع الحكومة الثلاثة أي: بين القوة التنفيذية والقوة التشريعية والقوة القضائية وهو في رأي بعض علماء السياسة كمنتسيكو أرقى مراتب الحكومة، لكن الأمر الذي يبدو لأكثر الباحثين في السياسة والعمران أن النظام الإنكليزي أكثر من النظام الأميركي مرونة، ومماشاة مع مقتضى الأحوال وقد جرت عليه معظم الدول الديمقراطية، سواء أكانت ملكية كإيطاليا واليابان ومصر أم جمهورية كفرنسا وسويسرا، ويقال: أن النظام الملكي المقيد بمجلس نيابي مؤلف من مجلسين، كما في إنكلترا وإيطاليا ومصر واليابان خير الأنظمة السياسية في هذا العصر، وأثبتها على تقلبات العمران، وأضمنها للمحافظة على الغاية من وجود الحكومة، فالملك في الحكومة الملكية المقيدة يمثل تاريخ البلاد وتقليدها وعزها، وكل ما يلتف من آمال الشعب ورغائبه حول شخصه المعنوي، كذلك تكفل الوزارة النيابية القيام بأعمال الحكومة كما في كل الجمهوريات.
والظاهر أن الدستور المصري من خير الدساتير من هذا القبيل فقد جمع مزايا أكثر الأنظمة السياسة القديمة والحديثة، ومداره على ملك وبرلمان ووزارة برلمانية والبرلمان المصري مؤلف من مجلسين: أعلى وهو مجلس الشيوخ، وأوطأ وهو مجلس النواب، وأعضاء مجلس الشيوخ عددهم 119 ينتخب منهم 71 عضوا، ويعين جلالة والملك الباقين، ويجب أن تكون سن العضو في مجلس الشيوخ 40 سنة على الأقل، وينتخب أو يعين ليقيم عشر سنوات، أما مجلس النواب فأعضاؤه 214 وينتخبون جميعهم لخمس سنوات، ويجب أن تكون سن الواحد منهم ثلاثين سنة على الأقل.
وكان يوم 15 مارس سنة 1924 يوما تاريخيا عظيما، ففيه افتتح جلالة الملك فؤاد أول برلمان مصري مؤلف على المبادئ الدستورية الحديثة، وقد تم هذا الاحتفال في أجلى مظاهر الأبهة والجلال، وقضى أهل مصر ذلك اليوم فرحين متهللين، شاعرين أنه ابتداء عهد جديد في تاريخ هذا القطر، عهد اشتراك الأمة في تولي زمام السلطة.
فلما انتصفت الساعة التاسعة أخذ النواب والشيوخ يفدون على دار البرلمان، وجعلوا يأخذون أمكنتهم كيف شاءوا، وكذلك أقبل المدعوون فجلسوا في الشرفات المعدة لهم، وهم من أصناف مختلفة، فمنهم كبار الأجانب كسفراء الدول المفوضين، ومنهم كبار الموظفين والرؤساء الروحيين، وغير هؤلاء ممن دعوا إلى الحضور.
وفي الساعة التاسعة والدقيقة الأربعين أطلقت المدافع إيذانا بأن الموكب الملكي تحرك من قصر عابدين، فخرجت المركبة الملكية تجرها ستة من الجياد، وكان فيها إلى يسار جلالة الملك دولة رئيس الوزراء سعد زغلول باشا، وكانت تتقدمها مركبة تجرها أربعة جياد، وفيها معالي كبير الأمناء وسعادة كبير الياوران، وقد وصل الموكب إلى دار البرلمان في الساعة العاشرة، وكان في استقبال جلالة الملك أصحاب السمو الأمراء، وحضرات أصحاب المعالي الوزراء والوفد البرلماني، فلما أقبل عليهم جلالته تقدموا فقبلوا يده الكريمة، ثم سار وهم خلفه إلى قاعة البرلمان حيث قابله النواب وقوفا، وبعد أن حياهم جلالته وردوا عليه التحية بالهتاف له، وقف أمام المقعد الملكي ووقف الوزراء إلى يمينه والأمراء إلى يساره، ورأس الجلسة أكبر الأعضاء سنا، وهو سعادة المصري باشا السعدي، وحينئذ أقسم جلالة الملك اليمين الآتية:
أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية، وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه.
دولة سعد باشا زغلول يقرأ خطبة العرش أمام الملك ونواب الأمة (تصوير المسيو أنطون أنتيبا شارع كامل نمرة 8).
فلما أتم جلالته القسم صفق الأعضاء وهتفوا بلسان واحد «ليحيا جلالة الملك»، وبعد تأدية اليمين قدم معالي كبير الأمناء إلى جلالته خطاب العرش، فأخذه جلالته وناوله إلى دولة سعد باشا وأذن له أن يلقيه فألقاه بنصه الآتي:
حضرة الشيوخ - حضرة النواب
أهديكم أطيب سلامي، وأحيي فيكم ممثلي شعبي الكريم، وأهنئكم منتخبين ومعينين بالثقة العظمى التي أحرزتموها؛ لتؤلفوا أول برلمان مصري تأسس على المبادئ العصرية، وأحمد الله أن تحققت بتأسيسه أمنية من أعز أماني وأول رغبة من رغبات أمتي الشريفة.
अज्ञात पृष्ठ