ومضى نصف ساعة ... وامتلأت المنضدة الطويلة أمامه بقطع الجلد المبطنة بالقماش، ودارت عين سيد فاحصة ما سوى من القطع، ثم نهض إلى عمل جديد ... وكان العمل الجديد أكثر تشويقا لمن يراه.
كان وضع هذه القطع المتناثرة على قوالب الخشب في شكل الأحذية، وكان أقل سأما وانتظاما عن العمل الأول، وأكثر تعقيدا.
وكان يبدو لكل من يرى كل قطعة قد استوت على قالبها أن حذاء جديدا قد أوشك أن يكون، وكان يبدو لسيد وحده في كل قطعة ينتهي من إلصاقها وتشكيلها على القالب شيئا آخر غير حذاء جديد ، كانت تبدو له بضعة قروش تخرج من جيب صاحب المصنع لتنصب في جيبه هو ... وكان خياله يرسم لهذه القروش مصيرها منذ الآن، وقبل أن ينتهي الحذاء.
وكان هذا المصير منتهى أمله منذ أيام ... فيوم أن ينتهي من إعداد بضعة أحذية في ساعات الليل بعد الإفطار ... يوم يستطيع أن يفعل ذلك فسوف يحقق آمالا كبارا.
ولو أننا اقتحمنا على سيد خلوته منذ بضع ليال، وقبل أن يبدأ عمله الإضافي في ساعات الليل في المصنع، خلوته إلى زوجته في الدار التي يسكنها، وبعض الدور حجرة واحدة، لوجدناه يحدث سنية، والعيال نيام قائلا: وماذا قالت فاطمة؟ - قالت أبي تأخر، وقد غالبني النعاس ... هل ذهب ليأتي بالكعك؟ - وماذا قلت لها أنت؟ - لم أقل شيئا، وإنما قال لها أخوها، وهو يتثاءب إن الكعك يأتي في آخر رمضان ... وكذلك الثياب الجديدة.
ويخلع سيد حذاءه، ثم يستلقي على الفراش ويمضي في صمت عميق تقطعه سنية قائلة: إنهما ليسا بحاجة إلى ثياب، سأصنع لفاطمة ثوبا من ثوبي القديم الأزرق، فما زال قماشه متينا ... أما حسن ...
ويقاطعها في ضحكة حزينة: ستصنعين له بدلة من أي ثوب من أثوابك؟
وتصمت سنية في هذه المرة، ويجيب سيد عنها قائلا: حتى ولو لم يكن هناك عيد بعد عشرين يوما يا سنية، فإن الولد والبنت في حاجة إلى ثياب جديدة، ولقد دبرت الأمر.
وتنظر سنية عن غير قصد إلى السوار الذهبي النحيل الباقي في يدها من عشرة أساور كانت لديها، ثم يتملكها الرعب، وتسترد أنفاسها على صوت سيد. - لقد طلب صاحب المصنع أن نعمل بنصف أجر كل ليلة بعد الإفطار حتى السحور وبذلك ...
وتعاود سنية النظر إلى السوار في اطمئنان ... ويمضي هو في الحديث. - وبذلك سيكون لدي - إذا واظبت على السهر - بضعة جنيهات تكفي لكسوتهما ولشراء الكعك، ها أنت ذي ترين أن الله كريم يا سنية.
अज्ञात पृष्ठ