83

किताबों के बीच घंटे

ساعات بين الكتب

शैलियों

إذن من يكون ذلك الحافر على قبري؟! فقد أعياني الظن وأقررت بالإعياء!

أوه! إنه أنا يا سيدتي الودود! أنا كلبك الصغير أعيش بقربك، وأرجو ألا يزعجك ذهابي، ومآبي في هذا الجوار.

آه نعم! أنت الذي تحفر على قبري. عجبا! كيف غفلت عنك، ونسيت أن قلبا واحدا وافيا قد تركته بين تلك القلوب الخواء؟ وأي عاطفة لعمرك في قلوب الناس تعدل عاطفة الولاء في فؤاد الكلب الأمين؟!

سيدتي، إنني أحفر عند قبرك لأدفن فيه عظمة أعود إليها ساعة الجوع في هذه الطريق، فلا تعتبي علي إزعاجك! فقد نسيت أنك في هذا المكان تنامين نومك الأخير.

تلك حالة أخرى من حالات النفس السائمة، قد بطلت خدعتها في عواطف المودة والولاء وعلمت عجز طبيعة الإنسان والحيوان عما نكلفها من وفاء نتعزى به في محنة العزلة والقنوط، فالميت في قبره لا يساوي أكثر من عظمة في قلوب الكلاب، ولا أكثر في القلوب الأخرى التي لا تبحث عن العظام في جوار القبور!

ولعلنا بعد هذه الأمثلة القليلة قد أفلحنا في غرض ليس بالطامع ولا بالبعيد. لعلنا قد أقنعنا بعض المخلصين في حيرتهم بأننا لا نتحكم ولا نعتمد التعجيز حين ننكر شعرا يروقهم فيه ما يسمونه المعنى والأسلوب، ونعجب بشعر بسيط لا «معنى» له غير ما يجلوه من حالات النفوس أو صور الخيال.

الشعر في مصر1

خلاصة

في هذا المقال الذي نختم به مقالات «الشعر في مصر» نعود إلى ما قدمناه فنجمله بعض الإجمال، ونود أن نقول كلمة عن مقاصدنا من كتابة هذه المقالات، وعن القراء الذين عنيناهم بكتابتها، والنتيجة التي نريد أن نصل بهم إليها.

ونبدأ بهذا الغرض الأخير فنقول: إن هناك فريقا من القراء لا نعنيهم ولا نرجو خيرا من اطلاعهم على كتابتنا، أو على كتابة غيرنا في النقد والأدب. أولئك هم زمرة «الشخصيين» الذين يظهرون الإعجاب بشعر شوقي مثلا؛ لأنهم يشبهونه في بعض الخلال والعادات ويشعرون براحة خفية لاشتهار واحد من أمثالهم وأشباههم بهبة ترخص الوصمة وتستر المسبة، وهؤلاء ليسوا بالقليلين بين من يتظاهرون بمخالفة آراء المجددين، أو يصفون شوقي وأضرابه بالتجديد وهم لا يبالون قديما ولا جديدا، ولا يعالجون الشعر معالجة فقه ودراية، وليس من شأننا أن نذكرهم أو ندل عليهم، ولكننا نشير إلى هذه الحقيقة من باب التمثيل لظاهرة غريبة بين ظواهر التشيع الأدبي التي تخفى أسبابها وتمزج الأدب بغير الأدب، وتجعل من بعض العيوب عصبية كعصبية القرابة والرصافة، وكثيرا ما يرى القراء أحدا يغضب من نقد شوقي وينضح عنه وعن شعره فيعجبون لهذا، ويزيد عجبهم أن ذلك «الأحد» ليس من قراء الشعر ولا المعنيين بشأنه في اللغة العربية ولا في لغة غيرها، وأن شوقيا ليس من أصحاب النفوس التي تستثير نخوة الغيرة وشماس العصبية! فسر هذا الغضب شخصي ليس بالأدبي ولا بالفكري، والباعث إليه طلب العزاء والمداراة لا البر بشوقي والعطف عليه، كأن إكبار الناس لإنسان يشبهه يتضمن الغفران لما ينكره من خلال نفسه، ويرفع عنه ذلة الضعف والمهانة.

अज्ञात पृष्ठ