किताबों के बीच घंटे
ساعات بين الكتب
शैलियों
أو مثل:
إذا ملك لم يكن ذا هبة
فدعه فدولته ذاهبة
فتساءلنا: أي فرق بين الأبيات السابقة والأبيات اللاحقة هو أظهر من سائر الفروق، وأدل على البعد بين طبيعة الصدق وطبيعة التمويه؟ فلم نجد بينهما فرقا أجمع لذاك من أن الأسلوب في الأولى يجوز بك إلى معناه بغير ما توقف ولا انتباه، وأن الأسلوب في الثانية يقف بك عند اللفظ المقصود، فلا تجوزه إلى المعنى إلا إذا أردت ذلك وتعمدته، فالألفاظ في الأولى تخدم المعنى وتريك إياه ولا تريك نفسها، من أجل هذا كانت جميلة وكان قائلها بليغا، والألفاظ في الثانية تستوقفك لديها وتحجب عنك المعنى، ومن أجل هذا كانت مزورة، وكان قائلها مبهرجا لا حظ له من البلاغة والجمال.
ولسنا نرد بما تقدم على ملاحظة «أمييل»؛ لأننا نراه يوافقنا في مدلول نظره ويقول: «إن الكتابة الجميلة إنما تكون كذلك بنوع من الصدق، هو أصدق من سرد الوقائع المجردة» ولكننا نرد على الذين يلغطون بيننا بمثل تلك الملاحظة، ويعتذرون من تحريف المعاني بجمال الأساليب ولا يفهمون أن الصدق هو جوهر الجمال، وأس البلاغة، وقوام الذوق السليم، وقد أصاب «أمييل» حيث فرق بين الصدق في الكتابة، ومطابقة الواقع في التواريخ، فإن الصدق في الكتابة هو النفاذ إلى روح الموضوع، والإحاطة بأصوله ومقوماته، وأما مطابقة الواقع في التواريخ فهي جمع معلومات خارجية حول الموضوع لا تمس روحه، ولا تدخل منه في المقومات، فأنا مثلا أعرف صديقي وأحبه وأعطف عليه، وأستمتع بعطفه وأفهم ما يرضيه وما يغضبه، وما قد عمله وما هو خليق بطبعه أن يعمله، وأستشف بواطن سريرته وأطواء نيته، كما لا يستشفها الذي لا يعرفه ولا يصادقه، ولكني قد أسأل عن تاريخ ميلاده أو البلد الذي ولد فيه أو عن أخبار أهله وأسرته أو موقع سكنه وألوان ملابسه ومطاعمه، فلا أعرف من ذلك ما يعرفه خادمه ووكيله، فإذا كتبت عنه فقد أعطيه عمرا فوق عمره، وأنسبه إلى بلد غير بلده، وأخلط بين أخبار أهله وأخبار أناس غير أهله، وإذا كتب عنه خادمه أو وكيله فقد يصيب حيث أخطأت، ويضبط الوقائع حيث غيرت وبدلت، ولكني مع هذا أظل أصدق منه في الكتابة، ويظل هو أبعد من ذلك الصديق، وأكذب في الإبانة عنه والدلالة عليه، فللصدق في رواية من الروايات جوانب شتى لا تنحصر في الأرقام والوقائع، ولا تحد بالمشاهدة والسماع، وللفن صدق واحد يعنيه، وهو صدق اللباب والجوهر، الذي يقدم ويؤخر في التفريق بين إنسان وإنسان، وموضوع وموضوع.
لهذا نرى «أمييل» أقرب إلى الصواب من «تين» حين لاحظ هذا ما لاحظ على أسلوب رينان في رواية التاريخ، فقد وصف تين في مذكراته مجلسا له مع رينان وبرتلو، فأجاد وصف الرجل في أشياء كثيرة ثم قال: «وقرأ لنا فصلا طويلا من حياة المسيح، فإذا هو يرق في الكتابة ولكن يتحكم! وإذا بأسانيده كثيرة الضعف وليس فيها الكفاية من الدقة، وقد حاولت أنا وبرتلو عبثا أن نقعنه بأنه في كتابه هذا يضع قصة روائية في موضع أسطورة! وأنه يفسد الجانب الصحيح في تاريخه بمزيج من الفروض والتقديرات، وأن رجال الكنيسة سينتصرون عليه ويطعنونه في مواقع ضعفه إلى أشباه ذلك، ولكنه أبى أن يستمع أو يبصر شيئا غير الفكرة التي قامت برأسه، وقال لنا: إنكم لستم «بفنيين» وإن مقالا تجتزئ فيه بالتقريرات والمؤكدات لن تكون له حياة، فقد عاش المسيح فلا بد أن نراه في سيرته يعيش.»
كذلك قال رينان وكذلك كان هو أدنى إلى الحق من أصحاب الوقائع والأسانيد، بل هو كان أدنى إلى روح المسيحية من دعاة المراسم والحروف؛ فما المسيحية السمحة في روحها الحي الصميم؟ هي التقريب بين الله والإنسان، والتوفيق بين ما في الإنسان من روح الله وما في الله من أمل الإنسان، وهذا الذي اهتدى إليه رينان حين مثل لنا في تاريخ المسيح إنسانا إلهيا يمشي معنا على الأرض ويعالج الأشواق والآلام. حتى لقد هم أن يجعل من أحزانه ليلية التسليم أنه كان يلمح وجوه الصبايا التي سيودعها في هذه الحياة.
ولقد كان رينان مجملا مزخرفا في «حياة المسيح» ولكنه كان يتحرى ذلك الجمال الذي يطابق الحق في الفن والمثل الأعلى، وإن خالف الحق المحدود في الحروف والأرقام.
النقد1
في إنجلترا مجلة أدبية.
अज्ञात पृष्ठ