रुयत अल्लाह
رؤية الله تعالى بين العقل و النقل
शैलियों
ولا ريب أن في الجنة من التجليات الربانية لأصحاب السعادة ما يفوق مايكون في مواقف القيامة، فلا غرو إذا عبر أصدق الإنس والجان، وأبلغ العرب والعجم بالرؤية، أو نحوها من العبارات تقريبا للأفهام، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب العرب باللسان العربي المبين الذي نشأوا عليه، فعرفوا معانيه، وأدركوا مراميه، فلا تعجبوا إذا لم يشكل عليهم هذا الخطاب.
وإذا كان العبد إذا أخلص لله تعالى في هذه الدار الدنيا مع كثافة حجب طبائعها المادية المظلمة. تتراءى له في ذكره ودعائه مشاهد العظمة، وينكشف له من آيات الجلال ما يجعله يغيب عن وجوده غارقا في عالم شهوده، مشغولا عن نفسه بما يمده به الحق تعالى من ألطاف الأنس المتراسلة من حضائر القدس خصوصا في بعض الأحوال كخلوات العبادة، وفي بعض الأزمان كليالي رمضان، وفي بعض البقاع كالحرمين الشريفين، فما بالكم بالدار الآخرة التي أعدت للمتقين حيث ترقى نفوسهم إلى أوج الكمال الإنساني.
ولا ينكر هذه المشاهدة الإنسية في هذه الدار الدنيا إلا من حرم شفافية الروح، ورقة الشعور والوجدان التي يشعر بها العبد، وهو ماثل بين يدي الله تعالى داعيا أو ذاكرا حتى يكون كأنه من أنسه بربه يرى ذاته تعالى بأم عينيه من غير أن يتحول تعالى عن صفته الذاتية، وهي عدم إدراكه بالأبصار، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المرتبة بالإحسان، وذلك في قوله: (( الإحسان ان تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) فأي عجب إذا حصل للمؤمنين الصادقين في إيمانهم المخلصين في عملهم، ماهو أبلغ في الدار الآخرة من ذلك من التجليات الجلالية لعقولهم وقلوبهم؟ وأي بدع إن عبر عن ذلك بالرؤية مع ورود مثله في اللسان العربي؟
وبهذا يتضح المراد بالرؤية في الأحاديث، وبه يمكن الجمع بينها وبين آيات التنزيه الناصة على منعها.
पृष्ठ 95