DNA ؟ - أيوه، أثبت التحليل في المعمل أنها ابنة فرانسيسك. - العلم مثل أي شيء في الحياة لا يمكن أن يكون مائة في المائة، هناك دائما ما ينقص الشيء ويمنعه من أن يكون كاملا إلا الله، هو وحده الكامل. - أتؤمن بوجود الله يا سميح؟ نحن هنا في كاتالونيا لا نؤمن إلا بالعلم والحقيقة. - الحقيقة ليست مطلقة يا يولاندا، الحقيقة نسبية وهناك دائما شيء ينقص الحقيقة يمنعها من أن تكون كاملة.
تتذكر الفتاة هذه العبارة الأخيرة، كان رستم يقولها عن الحب، إن هناك دائما ما ينقص الحب ليكون صادقا، وما ينقص الفضيلة لتكون فضيلة. وكانت كارمن تقول: هناك دائما ما ينقص الرجل ليكون رجلا، ورستم يسعى لتبرير الفساد بنظرية النسبية. •••
فوق السرير في المستشفى رأتها راقدة في غيبوبة، فكوا عن جسدها الحبال، رأسها مربوط بتيار الكهرباء، ذراعها مرفوعة فوق الوسادة، داخل الوريد إبرة تنقل إليها السائل من زجاجة معلقة في الهواء، شفتاها لونهما أبيض، صدرها ساكن إلا من حركة غير مرئية.
نادت بصوت خافت: كارمن ارتعشت رموشها المتلاصقة فوق الجفون المغلقة، لم تنفرج شفتاها عن صوت، جلست إلى جوارها على طرف السرير داخل الصمت كأنما إلى الأبد، بدت اللحظة الحاضرة ممدودة في الماضي الميت والمستقبل غير الموجود، مدت يدها لتلمسها فارتجفت، كأنما تلمس جسدا ميتا، جاءت الممرضة وهمست في أذن الفتاة: كانت بتسأل عنك طول الوقت. - عني أنا؟ - كنت فين؟ - في برشلونة. - كلميها يمكن تسمعك. - هي صاحية؟ - عقلها صاح، كلميها يمكن ترد عليك.
ناولتها الممرضة شيئا وعيناها ترقبان الباب، وضعته في يدها، وهمست في أذنها، افتحي الدولاب قبل ما يوصلوا، الرسالة أمانة، خدي الرواية واهربي، كان نفسها تشوفك وطول الوقت تسألني بنتي راحت فين.
كان الظلام يهبط، والمستشفى يصبح في الكون الأسود نقطة بيضاء، والرجال الثلاثة داخل سيارة طويلة سوداء، تتحرك على مهل من وراء الحجاب، تبدو من بعيد كالشبح، أو الروح القدس، وكان الشارع مليئا بالحفر والمطبات، على حافة بين الأرض الأسفلت ورمال الصحراء.
من النافذة رأتهم الفتاة، واقفة منتصبة مثل تمثال، تقاطيع وجهها حجرية بارزة، عيناها ثابتتان ثاقبتان قاطعتان كحد السكين، من خلفها سمعت صوت كارمن يهمس، بكلمات مبتورة: ... إه... إهر... اهربي ... يا ... يا ... بن... بنتي ... يا بنتي. رنت كلمة «بنتي» في أذنها وهي واقفة وراء النافذة، كان ضوء الكشاف يسقط فوق رأسها، اهتزت خلية في عقلها، تدور فيها كلمة واحدة مثل نقطة ضوء في الظلام: أمي.
فوق السرير كان الجسد الميت يتحرك، انفتحت عيناها الكبيرتان عن آخرهما، رأت الرجال الثلاثة يدخلون من الباب على أطراف أصابعهم، يتقدم الأول في يده الكشاف، لا يظهر منه إلا قبعة فوق رأسه، أو شيء مما يرتديه رجال الجيش أو البوليس، يده ممدودة أمامه ممسكة بشيء أسود مدبب، رأس الرجل الثاني ملفوفة بالقماش، اللفة، مثل تلافيف العمامة، أو شيء مما يرتديه الرجال من ذوي القداسة، الرجل الثالث كان عاري الرأس، بين شفتيه سيجار سميك لونه بني داكن، ساقاه الطويلتان الممشوقتان داخل بنطلون جينز ضيق، لم تره إلا من ظهره بعد أن دخل، ووقف خلف الفتاة فاتحا ساقيه المشدودين داخل البنطلون الجينز الأزرق، رافعا يده اليمنى، مصوبا الشيء الأسود المدبب إلى ظهرها، وقبل أن تسمع طلقة النار، سقط ضوء من خارج النافذة كاشفا إليتيه المضغوطتين تحت الجينز المستورد، الشبيه بجلد النمر، فوق الإلية اليمنى قطعة مربعة من القماش ذاته، لونها أكثر زرقة، مثبتة في البنطلون كأنما قطعة منه، تعلوها حروف بارزة مشغولة بخيوط حمراء، يظهر الحرف وراء الحرف حتى تكتمل الكلمة، مثل الإعلانات فوق الأعمدة في الشوارع والأزقة، تضيء كلها بقوة، ثم تنطفئ لتضيء من جديد، من الحرف الأول إلى الأخير حتى تكتمل الكلمة، ثم تنطفئ ويظلم الكون.
أضاء عقلها كأنما لأول مرة، قبل أن تنطلق الرصاصة، تحركت ذراعها اليمنى من فوق السرير، امتدت يدها إلى الزجاجة المعلقة فوق رأسها في الهواء، أمسكتها بأصابعها الخمسة، كان السائل يرتج داخلها، جدرانها من الزجاج الشفاف اللامع، يتدلى منها خرطوم طويل أسود، ينتهي بالإبرة المغروسة في ذراعها اليسرى، كانت هي لحظتها الأخيرة لإنقاذ ابنتها، لا شيء بعدها إلا العدم، وانتزعت القوة من براثن الموت، قوة خارقة للعادة، لا يعرفها إلا الموتى قبل النفس الأخير، يتلاشى الخوف من الموت والنار والسجن والجوع والجنون وكل شيء، تنطلق الروح الحبيسة بقوة غير بشرية، كأنما قوة إلهية أو شيطانية أو الاثنتان معا.
وبهذه القوة قذفت كارمن الزجاجة باتجاه الرجل، انطلقت كالقذيفة بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ثم انفرجت في مؤخرة رأسه، محدثة صوتا خارقا لقوانين الصوت، أيقظ الأطباء والممرضات من النوم، وأفاق المرضى والممرضات، الغائبين والغائبات عن الوعي.
अज्ञात पृष्ठ