حتى الشعر والرواية!
وإلا لماذا
تكون الطبنجة في السجن
أكثر براءة
من الورقة والقلم؟
مطار القاهرة يكاد يكون خاليا قبل طلوع الفجر، سحابة سوداء وشبورة كثيفة تمنع الرؤية، الجو مشبع بالرطوبة والدخان وبخار الماء، منتصف شهر أغسطس، صوت عجلات الطائرة تنزلق فوق أسفلت الممر بسرعة الضوء، تنفصل عن الأرض في لحظة خاطفة وتحلق في السماء، كأنما يفرد سميح ذراعيه ويطير بجناحين، يرتفع فوق بيوت المدينة، والعمارات والمآذن والأبراج، وكل الأشياء، يدب رجال البوليس بكعوب حديدية على الأرض، يظهرون ويختفون كالأشباح، والصحف الصفراء تغرق الأسواق بلون الوباء الكبدي، تتوالد وتتكاثر مثل الذباب، العناوين الكبيرة بالحبر الأحمر، عن الدم المراق في فلسطين والعراق وأفغانستان، والأموال المهربة خارج البلاد، وتزايد الفقر والهوة بين العبيد والأسياد، وانتشار كلمة الهوية في الكتب والمقالات، والتسابق لنشر الأخبار عن بنات الهوى والحمل السفاح، ومخادع الرؤساء والملوك في العصور السابقة، أو في البلاد البعيدة فيما وراء البحار.
عند بوابة المطار وقفت ثلاث نسوة بالجلاليب والطرح السود، ينتظرن وصول الميت داخل الصندوق، ورجل عجوز محني الظهر يمسك بيد طفلة ناعسة تبربش بعينيها فيما حولها من دون وعي، والفتاة كانت واقفة عند باب الخروج تحملق في ظهر سميح وهو يمشي، يجر من خلفه حقيبة كبيرة لها عجلات، ملمس شفتيه على وجهها لحظة الوداع، شفتان دافئتان ناعمتان تنسحبان عنها في رقة الهواء، كانسحاب الروح من الجسد. - سميح؟
توقف لحظة ثم استدار، رآها واقفة عند الباب، عيناها شاخصتان إليه، ثابتتان، قاطعتان كحد السكين، انفرجت شفتاها وابتسمت، لوحت له بيدها، رفع ذراعه ولوح بيده، صوته يسري في أذنها منذ الليلة الماضية، في جيبه الورقة مكتوب عليها العنوان بخط يدها، اسم يولاندا واسم الشارع، ورقم البيت، والمطعم، سوف تدعوه يولاندا إلى صحون الباييلا مارنيرا والنبيذ الكاتالاني وتمنعه من الانفراد بالطفلة، تخشى أن تهرب بها إلى المطار، تتشبث بها وتقول بكلمات كاتالانية وإشارات بيدها إلى قلبها، وسميح يرد عليها بالإشارات وكلمات عربية. - نورية حفيدتي ابنة ابني فرانسيسك. - نورية ابنتي أنا. - ومن أنت؟ - أنا سميح ... أبوها. - وكيف عرفت أنك أبوها؟ - ملامحها تشبهني بالضبط، نسخة طبق الأصل مني.
وتضحك يولاندا في سخرية، تلفظ كلمة «ملامح» بطرف لسانها، ليس عندنا كلمة ملامح في القانون الكاتالاني، فالملامح تتشابه؛ يخلق من الشبه أربعين كما يقولون عندنا في كاتالونيا، القانون عندنا يعتمد على حقائق العلم.
تقصدين تحاليل الدم وال...
अज्ञात पृष्ठ