فقالت دع وصفي بما لا يصدقه وهمي وحدسي، ولا يثبت علمه في خيالي وحسي، أعرف الناس بنفسي، وهلم لنعيدها جذعة. ونقول في النسب الذي لأجله لزمنا هذه البقعة، فمعي من أترابي وصويحبات شبابي من هن في غرارة التصابي، وكلهن ينتظرن إيابي، وقد أضربهن لبثي، وطال عليهن مكثي،، وهذا النهار قد ذهب غير القليل، والشمس قد جنحت إلى الأصيل، ولم يبق سوى الرحيل، فابن عما في الضمير، وسل عن الفتيل والنقير، فشكوت إليها غلبة الهوى، وموجبات الجوى، والخوف من عادية النوى، فانصاعت متبسة، وعادت متكلمة، وقالت يا فديتك أتترفع ذيلك قبل المخاض وتدعي السغب قبل الإنقاض، كيف تشكو الغرام وأوصابه، وتستمقر ذعافه وصابه، وتعدد الوجد والقلق، وتصف السهر والأرق، وتدعي مسامرة النجم ومساورة الهم، ومكابدة الغليل والسهر، سحابة الليل الطويل، حتى وصلت السهاد، وهجرت النوم وإنما كانت هذه المعرفة اليوم.
من الطويل
أشوقا ولما تمض بي غير ليلة ... فكيف إذا راح المطي بنا عشرا
وكيف تقدمت هذه الأسباب على مسببها وهو محال، أم كيف أردت خداعي، وطالما خدع النساء الرجال، قدرتك على هذا الشان، ومعرفتك بعلم البيان، أجرت على لسانك الخلوب ما ليس له صورة في القلوب، فقلت قادرا وتلهو سادرا، لا ومن زين صبح الجبين بليل الشعر، وغرس في عذب الرضاب صغار الدرر، وخلق أقمارا أرضية أبهى من الشمس وأحسن من القمر، وحمل العيون بالكحل، ونصب الحدود أغراضا لموقع القبل، وأجرى فيها ماء الحياء فانبتت ورد الخجل، وأبدع في الجمع بين يواقيت الشفاه، ونرجس المقل، وأطلع في أغصان القدور رمان النهود، وأرسل وراد الشعور إلى الأرداف والخصور، وجعل الأسود الغلب فرائس نحور الحور، لست ممن يغتر بالأقوال المزخرفة، ولا ينخدع بالأسجاع المصففة، حتى استعلم أخبارك، وأقتص آثارك، وأسبر أحوالك، وأعلم ما عليك مما لك، وأرود مرادك، فأتحقق مرادك، وأسال عما عندك فؤادك، فإذا استحكم بك الهيام، وتمكن من قلبك الغرام، وأخبرت بما تعاني، وعرفت بالتجربة هذه المعاني، ونطق لسانك بما في قلبك، وظهرت شواهد الصدق على حبك، وشكوت مرارة الفراق، وذقت بعده حلاوة التلاقي، وجربت ما قيل في سهر الليل وطوله، وثبات نجومه وبطء قفوله، فهنالك إلى الاختيار ولى الخيار، وعلى قدر ما يتضح الحال، أكايلك بالمكيال، وميعادنا مثل اليوم بهذا المكان، وركضت إلى صواحبها ركض جواد الرهان فوقفت حائرا انظر إلى منيها واستخرج درر الدموع من أصداف أماقيها، من الطويل
وأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
وأنشدت ما هو شرح حالي، وقد تضاعف بلبالي، من الطويل
لاموا على زفراته فشكا جوى ... واستغزروا عبراته فبكى دما
ركب اللجاجة في الغرام فكلما ... عنفوا عليه اللوم زاد وصمما
ولقد درى أن التهتك لم يفد ... قيسا ولا نفع البكاء متمما
وهي تمشى وتلتفت، وقد سلبت القلب وما اكتفت فاذكرتني شعرا كنت أنسيته دهرا، كشاجم.
من السريع
مستملح من كل أطرافه ... متحسن الإقبال والملتفت
لو بيعت الدنيا ولذتها ... بساعة من وصله ما وفت
سلطت الألحاظ منه على ... جسمي فلو أودت به ما اكتفت
واستعذبت روحي هواه فما ... تصحو ولا تسلو ولو أتلفت
فما كان إلا بمقدار ما غبا عن عياني، حتى اظلم علي مكاني، واعتراني جنون، وفاض عن عيني عيون من الكامل
ولقيت في حبك ما لم يلقه ... في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم اتبع وحش الفلا ... كفعال قيس والجنون فنون
فقلت لغلام كان عبية أسراري. وجهينة أخباري، ويحك اقتص الأثر، وأوضح لي الخبر، واعرف الورد والصدر، وعرفني أين الكناس. ومن الناس، انطلقت مهرولا وأنشدت مستغربا.
من المتقارب
نظرت المها على غرة ... فعاينت شمسا وبدرا منيرا
وشاهدت إذ نظرت وانثنت ... غزالا غريرا وغصنا نضيرا
وعدت إلى داري، كاسف البال، سيئ الحال، مغلوب الجلد والاصطبار، مسلوب القلب والقرار، لا أجد أنسا بحاضر، ولا أهش لخليل ولا مسامر، من الطويل
إذا غبت لم اجزع لبعد مفارق ... سواك ولم أفرح بقرب مقيم
فيا ليتني أفديك من غربة النوى ... بكل خليل صادق وحميم
1 / 5