فدهشت من فصاحة مقالها، وسحرتني بألفاظها وجمالها، وحرت فما أحرت جوابا، وقيدني العي فما افتتح خطابا، وقلت كفاك الله عين الكمال، من أين لربات الحجال. شقاشق فحول الرجال، وأنى لهذه الشمس المضيئة حدة هذه الفطنة والألمعية، وهل في قدرة هذه الغادة الظريفة الإتيان بهذه الألفاظ البليغة الشريفة، وخاطبتها ولبي ذاهل، ووجدي مقيم وصبري راحل، وعندي من حبها شغل شاغل، فقلت يا اخت الغزالة والغزال وثالثة الشمس والهلال، أفحمت لساني عن المقال وقطعت حجتي في الجدال، من الذي ينتصب لمعارضة هذه الألفاظ، وبم اتقي سهام هذه اللحاظ، وكيف لقلبي يد بسحرين، ومن أين لي قوة بذين، من الطويل
ولما التقينا والنقا موعد لنا ... تعجب رائي الدر منا ولا قطة
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
ولهم في وصف الحديث فنون ومعان كلها عيون. قال ابن الرومي: من الكامل
وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز
شرك العقول ونزهة ما مثلها ... للمطمئن وعقله المستوفر
وقال ابن حمديس الصقلي.
ذات لفظ تجني بسمعك منه ... زهرًا في الرياض نداه طل
لا يمل الحديث منها معادا ... كانتشاق الهواء ليس يمل
وأنشدني السيد محي الدين محمد بن الطوزي الجعفري لنفسه: من البسيط
ومنطق كرضاب النحل مازجه ... مروق شابه بالمسك عاصره
جرى على السمع مثل الطيف خالسي ... وقام مستصحبا للقلب زائره
وما علمت لفكري في حلاوته ... أرق أوله أم راق آخره
وهكذا أشير إلى ما يعرض من المعاني أدنى إشارة، واقتصر على أخصر عبارة، فان الإكثار داعية الملال، والأنفس بالطبع تحب الثقل في الأحوال، ولو أردت مقالا لوجدت سبيلا إلى المقال، فقالت وقد خفرها وارد الخجل، وورد منها مواقع القبل، أمثلي يقعقع له بالشنان؟ أم تظن عقلي من عقول النسوان،؟ ما قدر كلامي، ولو كان درا، ومبلغ بياني ولو استحال سحرًا، عند من تذعن له جهابذة النقد، ويسلم إليه أهل الحل والعقد، ويقر له حتى الحسود، ويعترف بفضله السيد والمسود، من الخفيف
وأرى الناس مجمعين على فضلك ما بين سيد ومسود
عرف العالمون فضلك بالعلم وقال الجهال بالتقليد
فقلت أقسم بقدرك الأهيف النضير، ووجهك البهي المنير، وطرفك الفاتن الفاتر، ولحظك الساجي الساحر، وقوامك الذابل الناضر، وورد خدك الجني، ودر ثغرك النقي، وخمر ريقك الشهي ونرجس لحظك البابلي، وليل شعرك الدجوجي، على صبح جبينك المضي، وريقتك المعسولة، ودرر ثغرك التي هي بماء الحياة مطلولة، انك املح من شمس، وأفصح من قس، وأنور من بدر، واغزر من بحر، وأضوا من نهار، وأجرى ألفاظا من صيب لا مدرار، قد أبنت في هذا المقال عن حقيقة السحر الحلال، ونطقت بما يحير أرباب العلوم، ويعجز فرسان المنثور والمنظوم، وجريت على الجدد، واستوليت على الأمد، وأفحمت فصحاء الرجال، ولديك يلقي البلغاء مخاريق العصي والحبال، فأنت أنت في الجمال والكمال، وعذوبة الألفاظ وحلاوة الدلال، من السريع
هويتها كالبدر في حسنها ... أخطأت بل أبهى من البدر
كأنها الشمس ولكنها ... تبدو على غصن نقا نضر
فاقت على كل ملاح الورى ... وفاق في أوصافها شعري
في ثغرها در وفي لفظها ... در وفي نظمي وفي نثري
وفي معانيها وما قلته ... في وصفها ما شئت من سحر
1 / 4