فهو من ناحية صلة بين الواقع والخيال، ويمكن للاثنين أن يلتقيا في المعنى إذا اعتبرنا الطبيعة في نفسها حقيقة جافة تحتاج إلى مترجم وشارح ومتخيل هو الإنسان.
ولكن؛ هل كل إنسان يستطيع أن يكون صلة بين الطرفين؟ أين هو الذي يحسن الوساطة ويجيد النقل والترجمة والشرح والتفسير والإخراج؟ وأين هو الذي يجيد التوصيل، مضافا إليه شعوره الذاتي، وانفعاله أمام التجربة، وإحساسه بالجمال المنطوي كما هو بعصبه ولحمه ودمه؟ يا عجبا! وهل هذه الطبيعة محتاجة إلى شرح؟ الجبل، السماء، الصحراء! أجل! إن الأديب هو الذي يخلع على هذه وتلك الحركة والحيوية ويلبسها رداء الخيال، ويغمرها بالعاطفة، فلو كان الكلام جميلا بذاته ما كنا في حاجة إلى الغناء، ولو كان المشي جميلا بذاته ما كنا في حاجة إلى الرقص، ولو كانت الطبيعة جميلة بذاتها لاكتفينا بنقلها بالفوتوغرافيا!
ولو كان في تساقط المطر لحون كاملة، ولو كان في همس النسيم نغم تام، لما احتجنا إلى الموسيقى! أكرر فأقول: إن الفنان يشيع في هذه العناصر الطبيعية العاطفة والخيال والحركة والحيوية ويغمرها بالألوان، أو يسبغ عليها عطورا خاصة، وكل الفنون مشتركة الأصول في هذا؛ فنحن نقول: بيت الشعر، وألوان الموسيقى، وموسيقى الألوان، ثم نحن في نفس الوقت نجمع الشعر إلى الموسيقى إلى الرقص لنجمع العاطفة إلى الفكرة إلى الحركة إلى الخيال إلى الحياة.
أما العاطفة فهي الوقود الذي يغمر العمل بالضوء، فهي الإشراق المنبعث من الفن، أما الفكرة فهي عمل العقل أو الصنعة، وأما الحركة والخيال فهما صفتان من صفات الحياة، ومنها يمكن أن يعرف الأدب بأنه: «التصوير الخيالي لحقائق الحياة»، «أو المحاكاة الخيالية لحقائق الحياة».
ولما كان من آيات الحياة التكرار والعودة؛ فإن القلب يكرر نبضاته، والقدم تكرر خطوها، والمواسم تتعاقب، والطيور تهجر ثم تعود، فإننا نجد في طبيعة الفن - مهما اختلفت أنواعه - الخطوات المعادة، والنماذج المتكررة، واللحن المتجدد، والخطوط المتساوقة، هذا «الإيقاع»
rythm
هو المخدر الأول الذي نامت عليه أعصابنا ونحن في المهد إذ تغنينا أمهاتنا.
وهو هو بنفسه الذي يأسرنا ونحن كبار، فيخدر حواسنا فنستسلم للشاعر أو الموسيقي أو الرسام لنتركه يتصرف بنا كما يشاء بعد هذا المخدر الطبيعي الأصيل.
ومن هنا ندرك لماذا قد نتأثر بالشعر حين يلقى، في غير لغتنا، وبالموسيقى ونحن لا نلم بأصولها!
الوظيفة الأولى للأدب أن يكون مصورا حقيقيا خياليا؛ أي بعبارة أن يعبر عن الواقع، بالمجنح الطائر بواسطة العاطفة والفكر.
अज्ञात पृष्ठ