وكان يحب مكناسة الزيتون ، لعذوبة مائها ، وطيب هوائها ، وسلامة مختزنها من العفونة ، فلما فرغ من أمر فاس ، جاء إلى مكناسة ، واشترى دور الأهالي ، وأمرهم بالبناء في غربيها ، وأدار عليها السور ، وانفرد بالجانب الشرقي من المدينة ، وجعله كله براحا ، وشرع يبني فيه ، واستجاد الصناع من جميع البلدان ، وفرض على القبائل عددا معلوما من الرجال والبهائم يبعثون به كل شهر.
وفرض على المدن والحواضر عددا معلوما من البنائين ، والنجارين ، والحدادين ، والنحاسين ، إلى غير ذلك.
وكانت حاضرة ملكه لا تخلوا من عشرين ألف أسير من الإفرنج ، فكان يشغلهم أيضا في مبانيه.
وكان كلما انتهى من قصر بنى غيره ، وكانت الجنان تحيط بقصوره كلها ، وبنى مسجدا عظيما جدا في داخل القصبة التي أسسها ، فضاق هذا المسجد بالناس فيما بعد ، فبنى مسجدا أعظم منه اسمه الجامع الأخضر ، وجعل له بابين : بابا إلى القصبة ، وبابا إلى المدينة.
وجعل للقصبة (20) بابا ، كلها في غاية الارتفاع والسعة ، مقبوة من أعلاها ، وفوق كل باب منها برج عظيم ، عليه من المدافع النحاسية العظيمة ما يقضي بالعجب. وجعل في هذه القصبة بركة عظيمة تسير فيها الفلك والزوارق للنزهة والانبساط.
وجعل في القصبة هريا (1) عظيما جدا لاختزان الحبوب ، يقال : إنه كان يسع حاصلات أهل المغرب ، وجعل بجواره سواقي للماء في غاية
पृष्ठ 117