العذب من جبل قرطبة إلى قصر الناعورة غربي قرطبة في المناهر المهندسة ، وعلى الحنايا المعقودة ، يجري ماؤها بتدبير عجيب ، وصنعة محكمة إلى بركة عظيمة ، عليها أسد عظيم الصورة ، بديع الصنعة ، لم يشاهد أبهى منه فيما صور الملوك في غابر الدهر ، مطلي بذهب إبريز ، وعيناه جوهرتان ، لهما وبيص (1) شديد ، يجوز هذا الماء إلى عجز هذا الأسد ، فيمجه في تلك البركة من فيه ، فيبهر الناظرين بروعة منظره ، ومجاجة صبه ، فتسقى من مجاجه جنان هذا القصر على سعتها ، ويستفيض على ساحاته وجنباته ، ويمد النهر الأعظم بما فضل منه .
قالوا : واستمر العمل في هذه القناة إلى أن انتهت أربعة عشر شهرا ، ولما انطلق فيها الماء إلى تلك البركة كان يوما احتفل فيه الخليفة رحمه الله ، وعمل دعوة جفلى ، وأفضل على عامة الخلق ، ووصل المهندسين والقوام بصلات حسنة جزيلة.
* عمران قرطبة العجيب في عهد الناصر
وكان عمران قرطبة في أيام الناصر عاما تاما ، وليس من المعقول أن يتناهى هذا التناهي كله في اتقان البنيان وتفخيمه في عاصمة لم يستبحر عمرانها ، ولم تزخر لجج الاجتماع فيها ، فقد رووا أن عدد دور قرطبة كان لعهد الناصر وابنه الحكم نحو (200) ألف دار ، وهذه دور الأهالي ، فأما دور الوزراء والعمال والكتاب والأجناد وخاصة الملك فكانت ستين ألف دار ، هذا عدا الحمامات والخانات والفنادق ، وقالوا : إنه كان فيها ثمانون ألف حانوت ، وكان لقرطبة (28) ربضا (2) وقيل (21) ربضا ، كل واحدة منها بلدة فيها منبر تقام فيه الجمعة.
पृष्ठ 105