ثم يعود إلى سيرته أيضا فيقول : ولهذا الرجل رحمه الله من الآثار السنية ، والمفاخر العلية التي لم يسبقه إليها أكابر الأجواد ، وسراة الأمجاد ، فيما سلف من الزمان ما يفوت الإحصاء ، ويستغرق الثناء ، ويستصحب طول الأيام على الألسنة الدعاء ، وحسبك أنه اتسع اعتناؤه بإصلاح عامة طرق المسلمين بجهة الشرق ، من العراق ، إلى الشام ، إلى الحجاز ، حسبما نذكره ، واستنبط المياه وبنى الجباب ، واختط المنازل في المفازات ، وأمر بعمارتها مأوى لأبناء السبيل وكافة المسافرين.
وابتنى بالمدن المتصلة من العراق إلى الشام فنادق عينها لنزول الفقراء أبناء السبيل ، الذين يضعف أحدهم عن تأدية الأكرية (1)، وأجرى على قومة تلك الفنادق والمنازل ما يقوم بمعيشتهم ، وعين لهم ذلك في وجوه تأبدت لهم ، فبقيت تلك الرسوم الكريمة ثابتة على حالها إلى الآن ، فسارت بجميل ذكر هذا الرجل الرفاق ، وملئت ثناء عليه الآفاق.
وكان مدة حياته بالموصل على ما أخبرنا به غير واحد من ثقات الحجاج التجار ، ممن شاهد ذلك قد اتخذ دار كرامة واسعة الفناء ، فسيحة الأرجاء ، يدعو إليها كل يوم الجفلى (2) من الغرباء ، فيعمهم شبعا وريا ، ويرد الصادر والوارد من أبناء السبيل في ظله عيشا هنيا ، لم يزل على ذلك مدة حياته رحمه الله ، فبقيت آثاره مخلدة ، وأخباره بألسنة الذكر مجددة ، وقضى حميدا سعيدا ، والذكر الجميل للسعداء حياة باقية ، ومدة من العمر ثانية. ا ه.
* العبرة بتعمير السلف وتخريب الخلف
قلت : ولو لم تكن آثار هذا الرجل مخلدة ، وأخباره بألسنة الذكر
पृष्ठ 95