الجميع ، وقد جعلوا قدوتهم في النفر الإمام المالكي ، [لأن مذهب مالك رضياللهعنه يقتضي أن لا ينفر حتى يتمكن سقوط القرص ، ويحين وقت المغرب] (1) ... إلى أن يقول : فلما حان الوقت أشار الإمام المالكي بيديه ، ونزل عن موقفه ، فدفع الناس بالنفر دفعا ، ارتجت له الأرض ورجفت الجبال ، فيا له موقفا ما أهول مرآه ، وأرجى في النفوس عقباه ، جعلنا الله ممن خصه فيه برضاه ، وتغمده برحماه ، إنه منعم كريم ، حنان منان.
وكانت محلة الأمير العراقي جميلة المنظر ، بهية العدة ، رائقة المضارب والأبنية ، عجيبة القباب والأروقة ، على هيئات لم ير أبدع منها منظرا ، فأعظمها مرأى مضرب الأمير ، وذلك أنه أحدق به سرادق كالسور من كتان ، كأنه حديقة بستان ، أو زخرفة بنيان ، وفي داخله القباب المضروبة ، وهي كلها سواد في بياض ، مرقشة ملونة ، كأنها أزاهير الرياض ، وقد جللت صفحات ذلك السرادق من جوانبه الأربعة كلها أشكال درقية (2) من ذلك السواد المنزل في البياض ، يستشعر الناظر إليها مهابة ، يتخللها درقا لمطية (3) قد جللتها مزخرفات الأغشية.
لهذا السرادق الذي هو كالسور المضروب أبواب مرتفعة ، كأنها أبواب القصور المشيدة ، يدخل منها إلى دهاليز وتعاريج ، ثم يفضى منها إلى الفضاء الذي فيه القباب ، فكأن هذا الأمير ساكن في مدينة ، قد أحدق بها سور ، تنتقل بانتقاله ، وتنزل بنزوله ، وهي من الأبهات الملوكية المعهودة.
وداخل تلك الأبواب حجاب الأمير وغاشيته ، وهي أبواب مرتفعة ،
पृष्ठ 87