والإنسانية ، فقد أوجب عليه القيام بها ما لم يتحقق منها عليه ضرر أو خطر.
** وإن الموطن الوحيد الذي حبب فيه القرآن احتقار الموت هو موطن
الجهاد ، حيث يموت البعض لحياة الكل ، ولأن الأمة التي يعز على أفرادها أن يموتوا لا يمكنها أن تحيا ، فلهذا قال تعالى :
يرزقون ) [آل عمران : 169].
فالشهادة إنما وعد الله بها الذين يموتون في الذب عن بيضة الإسلام ، وفي صد العدو عن أن يستذلهم ويستعبدهم ، ولكنه لم يعد بها الذين يموتون من ضربة الشمس في عرفات أو منى ، لأنهم أبوا أن يتقوا لهيب حرارتها بمظلة ، فتحمل المشاق في القيام بمناسك الحج واجب ، وفيه تمحيص للذنوب ، ولكن أوجب من ذلك الوقوف فيه عند الحد الذي لا يؤذن بالخطر ، وكان حقا على العلماء أن يعطوا هذا المعنى حقه في الدروس التي يلقونها في الحرم أمام الحجاج المتواردين ، فإن قتل النفس في العبادة أشبه بأن يكون منزعا هنديا ، من أن يكون منزعا إسلاميا.
على أن منع جميع الحجاج من مثل هذه الأمور مع كثرة العامة بينهم سيبقى متعذرا ، فكان الأولى أن ينظر في أمر عرفة ومنى ، وأن تقلبا عن حالتهما الرملية الصحراوية الحاضرة ، فينبغي أن يبادر إلى حفر آبار إرتوازية في طول صحراء عرفة وعرضها ، حتى تفيض المياه من تحت الأرض إلى ما فوق الأرض ، ثم تبنى القنوات والصهاريج ، وتغرس حفافيها صفوف الأشجار والرياحين ، فتتهدل هناك الأغصان ، وتتدلى الأفنان ، وترف الظلال ، ويتسلل الزلال ، فتخف حرارة الشمس ، ويلجأ الحجاج في مثل هذه الأيام العصيبة إلى ظل ظليل ، وهواء بليل ، فتكون درجة الحرارة تحت فينان الدوح أدنى منها في الشمس بخمس عشرة درجة ، ويصير الحاج إذا تعرض للشمس قادرا أن يفيء إلى الظل ، وقد
पृष्ठ 59