أحدهما : الشتاء ، وهو في غاية اللطف ، وكأنه فصل الصيف في أعالي لبنان.
والثاني : فصل القيظ ، المصادف ما يسمونه بأشهر السرطان والأسد والسنبلة ، وهو فصل قد تصعد فيه الحرارة في الظل بميزان سنتيغراد إلى الدرجة (45) وإلى (49) وفي الليل يتعذر النوم حتى على سطوح المنازل ، فإن الذي يبقى لا صقا بتلك الصخور من لعاب الشمس ، يكفي لتسخين صفحة الليل إلى أن ينبلج الصبح ، وإن اليوم الذي تكون فيه الحرارة (38) أو (39) يعده المكيون معتدلا ، ويقولون : اليوم براد ، فإذا نزلت الدرجة إلى (35) قالوا : براد بالحيل بفتح فسكون ، أي برودة زائدة ، وقد تأتي في هذه الأشهر الثلاثة أيام وليال مقبولة ، إلا أن هذا من النادر الذي لا يعتد به.
فالحج الشريف يصادف على مدة ستة أشهر فصل القيظ ، الذي فيه حر شديد ، وحر أشد ، هو حر السرطان والأسد والسنبله ، وهذا لا يطيقه إلا أهالي خط الاستواء والتكارنة ، ومن هم في ضربهم.
فأما حجاج مصر ، والشام ، والمغرب ، والأناضول ، والبلقان ، وتركستان ، وشمالي فارس ، وأفغانستان ، وشمالي الهند ، فإنهم يتطوقون من هذا الحر عذابا واصبا.
وقد شاهدت علماء من العراق ، فسألتهم عن نسبة حر العراق إلى حر تهائم الحجاز ، فقالوا : إن حر الحجاز أشد.
وأكثر من يموت من الحجاج في المواسم المصادفة لفصل القيظ إنما هم من حجاج الشمال ، وذلك بضربة الشمس ، وأكثر ما تصيبهم هذه الضربة في عرفات ، حيث يجب أن يكونوا مكشوفي الرؤوس.
فليتأمل المتأمل في قضية الحسر عن الرأس في عين الشمس ، عند ما تكون درجة الحرارة في ظل الخيمة (48) بميزان سنتيغراد ، ومع أنه يجوز للحاج اتقاء للضرر أن يستظل بمظلة عالية فوق رأسه ، فتجد
पृष्ठ 57