وتمايلت الأعطاف ، وانتقل الناس إلى عالم تكاد تقول : إنه غير هذا العالم ، قال ابن دريد (1):
يحملن كل شاحب محقوقف
من طول تدآب الغدو والسرى
وهم إذا وصلوا إلى مكة وجدوا عندها من الثمرات والخيرات ما لا يجدونه في البقاع التي تشقها الأنهار ، وتظلها الأشجار ، وذلك أن المجلوب إلى مكة من أصناف الحبوب ، والخضراوات ، والفواكه ، والمحمول إليها من البضائع ، والمتاجر ، واللباس ، والفراش ، والرياش ، والطيب ، وغير ذلك يفوق ما يجلب إلى عشر مدن من أمثالها في عدد السكان ، وربما أكثر.
لا يكاد الحاج يشتهي شيئا إلا ويجده في هذه البلدة القاحلة ، فحول مكة من المزارع ، والمباقل ، والمباطخ ، والمقاثي ، وفي جبال الطائف من الجنان والبساتين والكروم ما لا يأخذه العد ، ولا يدرك منه شيء في فصل من الفصول إلا انحدر به أهله إلى مكة ، فالثمرات التي دعا إبراهيم ربه من أجلها ، تفيض على البلد الأمين كالسيل المتدفق ، أو العارض المغدق.
* مياه مكة في الجاهلية والإسلام
وأما الماء ، فقد كان في أم القرى من أيام الجاهلية آبار نبع ومصانع ، مما يجتمع من مياه المطر ، ومن هذه الآبار اليسيرة ، التي حفرها لؤي بن غالب ، والروي ، التي حفرها مرة بن كعب ، وخم ورم ، هما من حفر كلاب بن مرة ، والجفر والعجول وبذر ، التي حفرها
पृष्ठ 51