ولا يقدر أحد أن يحتج على ارتفاع هذا الواجب عنهم بأن الحجاج يؤدون ما عليهم للمطوفين ، ويؤدون رسوما أخرى لإدارة الصحة وغيرها ، وأن هذا جائز لأجل إصلاح أحوال الحجاز ، كاف لشفاء النفس من هذه الأمنية ، فإن الأجور التي يؤديها الحجاج للمطوفين لا تكاد تقوم بأود هؤلاء ، وأن الرسوم الأخرى التي يذكرونها إن هي إلا سداد من عوز ، وأن على الحكومة الحجازية من الواجبات الضرورية ما لا يتيسر معه التوفر على الأمور الكمالية (1). ولا بد لمن ضاقت ذات يده من تقديم الأهم على المهم ، وماذا يتطلب المسلمون من حكومة الحجاز ، ودخل هذه الحكومة لا يزيد على جزء واحد من أربعين من دخل الحكومة المصرية مثلا.
فالمسلمون يقدرون أن يقوموا بهذا الواجب ، بدون أن يضطروا إلى جمع إعانات ، واستتدار أكف ، مما لو كانوا فعلوه لكان بهم قمينا ، وذلك بأن يسلموا ما في ديارهم من مال الحرمين للحرمين ، فكل أحد يعلم أنه لا تكاد توجد بلدة من بلاد المسلمين كبيرة أو صغيرة إلا وفيها أوقاف للحرمين الشريفين.
ولا نبالغ إذا قلنا : إنه لو اجتمع ريع العقارات الموقوفة على الحرمين الشريفين ، بعد رد جميع هذه العقارات إلى أصلها ، واستغلالها على حقها ، لكانت تضاهي دخل مملكة عصرية من الدرجة الثالثة ، وكانت تكفي لإزاحة جميع علل الحجاز وأصارته (2) من الجهة العمرانية إلى درجة لا يقل فيها عن أي قطر من الأقطار المجهزة بجميع أسباب المدنية.
पृष्ठ 141