نشأ هذا الرجل بتلمسان، وأخذ العلم عن مشيختها، واختص بأولاد الإمام، وتفقه عليهما في الفقه، والأصول والكلام، ثم لزم شيخنا أبا عبد الله الآبلي. وتضلع من معارفه، فاستبحر، وتفجرت ينابيع العلوم من مداركه، ثم ارتحل إلى تونس في بعض مذاهبه، سنة أربعين، ولقي شيخنا القاضي أبا عبد الله بن عبد السلام، وحضر مجلسه، وأفاد منه، واستعظم رتبته في العلم. وكان ابن
عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محله، ويعرف حقه، حتى لزعموا أنه كان يخلو به في بجته، فيقرأ عليه فصل التصوف من كتاب الإشارات لابن سينا، بما كان هو قد أحكم ذلك الكتاب على شيخنا الآبلي، وقرأ عليه كثيرًا من كتاب الشفاء لابن سينا، ومن تلاخيص كتب أرصطو لابن رشد، ومن الحساب والهيئة، والفرائض، علاوة على ما كان يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة. وكانت له في كتب الخلافيات يد طولى، وقدم عالية، فعرف له ابق عبد السلام ذلك
كله، وأوجب حقه وانقلب إلى تلمسان، وانتصب لتدريس العلم وبثه، فملأ المغرب معارف وتلاميذ، إلى اضطراب المغرب، بعد واقعة القيروان؛ ثم هلك السلطان أبو الحسن، وزحف ابنه أبو عنان، إلى تلمسان، فملكها، سنة ثلاث وخمسين، فاستخلص الشريف أبا عبد الله، واختاره لمجلسه العلمي، مع من اختار من المشيخة. ورحل به إلى فاس، فتبرم الشريف من الاغتراب، وردد الشكوى فأحفظ السلطان بذلك، وارتاب به. ثم بلغه أثناء ذلك أن عثمان بن عبد الرحمن، سلطان تلمسان، أوصاه على ولده، وأودع له مالًا عند بعض الأعيان من أهل تلمسان، وأن الشريف مطلع على ذلك، فانتزع الوديعة، وسخط الشريف بذلك ونكبه، وأقام في اعتقاله أشهرًا، ثم أطلقه أول ست وخمسين وأقصاه، ثم أعتبه بعد فتح قسنطينة وأعاده إلى مجلسه، إلى أن هلك السلطان، آخر تسع وخمسين.
وملك أبو حمو بن يوسف بن عبد الرحمن تلمسان من يد بني مرين، واستدعى
1 / 70